من الطبيعي جداً أن تختلف وتتباين الآراء أو تتفق، ومن المهم أن نتفهم ذلك ونكون على استعداد لتقبله والتعامل مع هذا الاختلاف بمرونة وعقلانية وإلا أدخل الإنسان نفسه في دائرة مفرغة من المشكلات، ولكن هل تتوافر لدينا دائماً تلك المرونة والعقلانية؟!.
وإن كنا سلمنا بأن الاختلاف شيء طبيعي وسنة في طبائع للبشر، فهل تعلمنا كيف نختلف مع بعضنا بعضاً بشكل إنساني متحضر ودون أن تتمزق ما بيننا من علاقات ومودة؟ ـ للأسف ـ فالإجابة في معظم الأحيان تكون بالنفي، لأن بعضنا يعقتد أن من خالفه في الرأي قد قلل من شأنه ونال من كرامته، ويرى البعض أن من خالفه في الرأي قد ناصبه العداء؟!.
ولعل الأمر هو خطأ في طريقة التربية والتي ننشى عليها أطفالنا منذ البداية فنحن في معظم الأحيان نطلب من الطفل أن ينفذ كل أمردون نقاش أو يمتنع عن فعل دون أن نوضح له أسباب ذلك، وإذا ما اعترض أو طلب التفسير نقذف له بالجمعة المعتادة "إنك مازلت صغيراً ويجب أن تسمع كلام الكبار دون مناقشة" فيرسخ في ذهن الطفل بهذه الطريقة أن الكبار كل آرائهم وأقوالهم لا بد أن تسمع وتنفذ وأنه حين يكبر لا بد وأن يكون مثلهم مسموع الكلمة، محترم الرأي، لا أحد يجرؤ على مخالفته، ويعتبر ذلك من معالم نضوجه وتمام قوة شخصيته، وقد يحدث العكس تماماً فينشأ الطفل ضعيف الشخصية، مذبذب الآراء، لا يستطيع أن يتخذ قراراً لأنه تعود أن ترسم له خطواته، وأن تُملى عليه قراراته من الآخرين.
لكن الأسرة التي تتيح للطفل أن يناقش ويفهم لماذا يقوم بهذا الفعل أو يمنتع عن ذلك هي أسرة تحترم عقل الطفل وتنمي فيه روح المرونة والتفهم لأنه سوف يدرك أنه عرضة أن يقابل من يختلف معه ولا بد أن يحترم رأي الآخرين ويناقشه ويتفهمه وأن هذا الاختلاف لا يعني العداء أو الخصام، بل هو على العكس يعني الحوار أكثر، والنقاش أكثر، حتى نصل إلى نقطة تقارب أو اتصال، وما أحوجنا إلى أن نغرس ذلك في نفوس أبنائنا، ليتعلموا أنه مهما كانت منطقية قضيتهم وحتميتها في نظريهم، فهي خاضعة للنقاش وتبادين الآراء، وأن ذلك لا يضر العاقل الناضج، بل على العكس يمكن أن يثري فكرته وقضيته، ولم لا فقد ناقش الله تعالى إبليس وحاوره حين أعرض عن تنفيذ أمر الله تعالى بالسجود لآدم ـ عليه السلام ـ وسجل القرآن ذلك رغم أن الله هو المستحق أن يأمر فيطاع دون نقاش ولكنه درس رياني لنا.
يقول تعالى:" قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين، قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" وقد تجمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحابة رضوان الله عليهم أنماطاً تختلف من البشر، فكان منهم صهيب الرومي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وكان منهم عمر الفاروق الشديد الصارم، وأبوبكر الصديق الرقيق الأسيف، لكنه استطاع ـ صلى الله عليه وسلم، أن يحتوي كل هذه النماذج المختلفة من البشر بمرونته وسعة صدوره، وأن يؤلف بينهم ليضع مهم قلب رجل واحد، ويعطي النموذج الفريد لما يجب أن يكون عليه القائد المربي.
وإن كنا نرغب في المزيد من القرب والتفهم في علاقاتنا الشخصية والاجتماعية، فلنعي جيداً أننا لن نجد الآخرين كما نرغب في المزيد من القرب والتفاهم في علاقتنا الشخصية والاجتماعية، فلنعي جيداً أننا لن نجد الآخرين كما نهوى ونحن دائماً، ولكن لا بد وأن يحدث الاختلاف والتباين، ولكن علينا أن نتعلم أولاً كيف نبقي الود والحلم في النفوس شمعة مضيئة لا تطفئها رياح الغضب والانفعال، علينا أن نتعلم كيف نختلف.
Alhaimdi@gamil.com
محمد الحيمدي
متى نتعلم كيف تختلف؟! 2290