إن رحمة الله تعالى وحكمته ومشيئته اقتضت أن يرتبط التغيير بالنفس البشرية في حالتها الفردية والجماعية، قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (11) سورة الرعد.
من هنا يجب علينا ـ ثائرين وثائرات ـ أن نغير أنفسنا من العجلة إلى الصبر، ومن الصبر مع الضجر إلى الصبر الجميل، ومن الانفعال إلى الفعل، فتصير الأفعال هي المعبرة عن الغايات الكبيرة، وأن نتحرر من ضغط الواقع إلى رحابة المستقبل، ومن ضيق الأنفس إلى سعة اليمن أرضاً وإنساناً، وقديماً قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لآبائنا الصحابة رضي الله عنهم: "ولكنكم قوم تستعجلون" فأين صبرنا من صبرهم، وأين ثباتنا من ثباتهم؟ً.
إن أخلاق التمكين يأتي في رأسها الصبر واليقين، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (24) سورة السجدة فهل امتلكنا الصبر واليقين بالقدر الذي يليق بالمطالبة بالتمكين. وبهما تتزن الحياة، وتتحقق المنجزات، قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (60) سورة الروم... فهنالك مندسون كثيرون، وهناك جهات أمنية تراهن على البلبلة، وهناك مأجورون يدخلون في أوساط الثورة ليعيقوها، فاحذروهم، كونوا حيث تريدون بتصعيد متوازن، فلن يثق أحد فيكم إذا كنتم طائشين في تصرفاتكم، لأن الدولة ليست طيشا، إنها اتزان، ثم اتزان، ثم اتزان.
أيها الثوار أيتها الثائرات: لا تنجروا إلى حيث يراد بكم من المندسين أو من الأمنيين أو من المأجورين أو من المتهورين، وعلى كل ائتلاف أن يضبط أفراده، وعلى المنصة أن لا تقبل تصريحاً إلا من ائتلاف فالحياة نظام حر، لا فوضى مدمرة.
يستطيع كل أحد أن يشكل حركة أو ائتلافاً ويعلن نفسه باسمه، وإذا أراد أن يصنع مظاهرة أو مسيرة يعلن باسم ائتلافه أو حركته ويتحرك، فالحركة بركة، وهكذا حتى يصل الأمر على مستوى الائتلافات والمنسقيات العامة، أما أن تأتي مجموعة من الناس يريدون تكرار حادث كنتاكي فلا وألف لا، إن الثورة معنية بحفظ حياة الشباب، لا بتقديمهم للموت، كما حدث في مغامرة الذهاب إلى مجلس الوزراء.
إن التغيير يرتبط بالنفس سواءً أكان نحو الأفضل عملاً وجزاء، أو نحو الأسوأ عملا وعقابا، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (30) سورة الشورى فالعاقل اللبيب يعرف كيف يتعامل مع سنن الله الكونية والشرعية، فإن كان على خير تعامل بالشكر قلبا وقولا، وتصريفا لنعمة الله في مرضاته تعالى؛ ليكون التغيير من طيب إلى أطيب، ومن فاضل إلى أفضل، ومن حسن إلى أحسن، قال الله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (7) سورة إبراهيم، وإن أذنب تاب، وأن امتحن صبر.
وإن تكن أوضاع الأمة والمجتمع من حولك تحتاج إلى تغيير، فكن جزءاً من الحل بالمبادرة إلى التغيير والثبات عليه، ولا تكن جزءا من المشكلة بالسلبية والجمود، أوقد شمعة، وكن مع موكب النور، وابدأ في الحال، الآن فليس السابق كاللاحق، وليس الأول كالآخر، واثبت في موقفك، وادع غيرك معك، حتى يشرق النهار بنا جميعا، وحتى نزيح الظلام والظالمين، وحتى ترى أمتنا نور العدل، وتذوق حلاوة العدالة الاجتماعية، وتعيش في كنف الدولة المدنية الحديثة.
إن التغيير نحو الأفضل يبدأ من الآن، إن كنت لا تتقن عملك، توقف عن الإهمال فورا، وابدأ إتقان ما تقوم به، وإن كننت تعيش بالكسل، تحرر من الكسل، وابدأ العمل فورا، وإن كنت تحيا حياة فوضى بلا هدف ولا تخطيط غير حياتك الآن، الآن وليس بعد لحظة.
إن التغيير نحو الأفضل يحتاج إلى جهد، ولكن ما العمل؟ قمم الجبال في الأعلى تلك سنة الله تعالى في خلقه، فتشجع، غير نفسك الآن، واعلم أن مفتاح التغيير بيدك، وبيدك أنت، فافعل بنفسك ومجتمعك وأمتك ما تشاء {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} (165) سورة آل عمران. وتذكر أنك مسئول عن اختيارك بين يدي الله تعالى، وأن اختيارك يؤثر عليك وعلى أمتك، والمؤمن يحب الله تعالى؛ لذا فلن يختار إلا ما يحبه الله تعالى ويرضاه.
د. محمد عبدالله الحاوري
لشباب وشابات الثورة.. تغيير النفس مفتاح النصر 2725