بعد قصف وكالة سبأ للأنباء طار الهدهد والغراب أيضاً وتوقفت " السياسية" ، وذهب عمود " اتجاه الريح" في مهب الريح ومعه مستحقات أربعة أشهر من الكتابة، ووجدت نفسي أغني هندي لأطفالي وأنا أخرج لهم جيوبي: " أريه مهبي زندقيه حرافيه" ومعناها باليمني:" النظافة من الإيمان".
تمنيت حينها لو كنت موظفاً في وكالة لبيع الخردوات في جمهورية جنوب الصومال ، أو بوكالة" زقني" في مدغشقر ، أو حتى بوكالة لتصدير الضفادع في موزمبيق، ربما ما كان سيصل بي الحال إلى ما وصل إليه.
كنت في زمنٍ مضى كلما اشتريتُ دجاجة كاملة أُصادف والدي يقول لي :" القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود " فأقول له :" الدجاحة البيضاء تنفع للغراب الأسود "، ولمّا أصبحتُ نازحاً بلا عمل ولا كتابة ، صرتُ أُرسل ابني الصغير بالطاسه البيضاء إلى منزل والدي ليحضر شوية مرق أسود.
وكانت أمي تعزف لي كل صباح هذه المقطوعة:" يا ولدي فيه ناس توظفوا من بعدك عمروا بيوت واشتروا سيارات وفتحوا مشاريع وأنت جالس مثل الخادم يومك عيدك ، ما حصلته أكلته مثل بقرة علوجة" ..فأقول لها :"الضمير الأبيض ينفع في اليوم الأسود ، أنا عمّرت عموداً في "السياسية" وعش في " حديث المدينة" ومزكن على بلكونة في "أخبار اليوم".
عُدتُ بأطفالي إلى قريتي الصغيرة وأنا أردد:"عز الغربان أعشاشها" ، هنا الماء طبيعي من الغيول فليسقط الوايت أبو سبعة ألف ريال ، والحطب متوفر لدرجة تجعلك تلعن اليوم الذي عرفت فيه شيئاً اسمه الغاز، والملوجة من الطابون الخلب تساوي ألف رغيف من خبز المدينة.
ولأن البقرة هنا هي البقالة والسوبرماركت فقد ذهبتُ إلى جدي وطلبتُ منه أن يسلفني بقرة"رباعة" واشترط عليّ أن اهتم بها وأطعمها ولا أدع أحداً من أطفالي يركب عليها خصوصاً أنهم لم يعرفوا الفرق بينها وبين الحمار .
أخذتُ البقرة وصرتُ أجمع لها العلف والقضب من كل حقل أعرفه ولا أعرفه ، فإذا بجدي يحضر كل مساء ليحلبها ويأخذ سمنها ولبنها .. أنا أرعاها وأطعمها والسمن واللبن لجدي : أيش الفائدة؟! وأيش معي منها ؟! فهتفتُ فيه :" الظاهر يا جد أنك إديت لي البقرة أتعلم فيها السواقة"...