لك الله أيها الوطن الغالي العزيز، لك الله أيها الوطن المسكون بأجسادنا والساكن في قلوبنا, لك الله أيها الوطن الحبيب الذي لا نمله رغم المنغصات، لأننا نؤمن أنها مصطنعه وليست جزءً من سجاياك, لك الله يا وطن ولنا الله معك، فكلانا ضحايا مؤامرات بعض أبنائك الغارقين في بحور العقوق والتنكر لكل صنائع المعروف، الآكلين خيراتك، الشاكرين غيرك، المرجعين لك ولنا الصاع صاعين بل مائة صاع جزاء الحسنات سيئات وجزاء الخير شراً مستطير, وجزاء الوفاء خيانة وغدراً ومكراً وخديعة, لك الله أيها الوطن ولنا الله معك.
جعلوا كل شيء فيك الحسن قبيحاً وبغيضاً وكل حبيب فيك كريهاً وعدواً, ما تقدمه أرضك من عطايا للمسرة حولوها للأذية والمضرة، من باطنك ظهر البترول والمعادن وعلى ظهرك لا نجد البترول إلا في طوابير العذاب والعناء والمشقة وكأنهم يقولون إن بترولك على أبنائك لعنة ونقمة ومن دونه الحياة هناء ونعمة، على بحرك سفن التهريب والصيد الجائر، ثرواتك تذهب على بحرك شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً حتى تجف محطات الوقود فتزيد من جفاف الأجساد المنهكة بسوء التغذية المفروضة بسياسة تجويع الكلب التابع وتجف معها الأفواه في حرارة الإزدحام لفرض سياسة العقاب الجماعي لقطيع الكلاب التي سئمت التجويع وملت الترويع وفكرت بالتحرر لأنها رأت أنها ليست قطيعاً من كلاب بل هي بشر ووطن من حقهم أن ينعموا ويعيشوا بكرامة الإنسان الممنوحة له من لحظة سجود الملائكة لهذا الإنسان في ملكوت السماء قبل هبوطه إلى أرض المعاناة والمكابدة والانتقاص والتقليل من حقه وكرامته وحريته بفعل الذين تسيدوا بسلوكهم طرق ومسالك ودروب أوصلتهم أماكن ليست أماكنهم ولا من حقهم ووضعتهم في مقامات ما كان ينبغي أن تصل إليها عيونهم ولا أجسادهم وقراراتهم.
لك الله يا وطن ولنا الله معك، أهدروا كرامتنا وإياك هنت علينا وهانت علينا أنفسنا معك وسئمنا أنفسنا وسئمناك قبل أن ندرك أنك لست السبب فيما يحدث لنا ولك، لأنهم لم يتركوا لنا مجالاً للتفكر ولا للتعقل حتى أوشكنا على فقدان الإدراك والذاكرة, صوروك لنا شعب الفقر وأرض الجفاف والشقاء وكأنك لم تكن تحمل إسماً ناصعاً في جبين التاريخ متميزاً به دون غيرك حين سموك ((اليمن السعيد)) أو(( العربية السعيدة)) فلم تفارق إسمك السعادة لا من التذكير ولا من التأنيث, جعلوك الشعب الفقير المسكين، أذلونا وإياك بمد أيديهم للتسول والإقتراض فأغرقونا في مذلة الحاجة للناس والشعوب والأمم وهزوا ثقتنا بأنفسنا وكأننا لا نمت بأي صلة لمن قالوا يوماً لملكتهم التي تحترم آراء مواطنيها وتستشيرهم ((نحن أولو قوة وأولو بأس شديد )) وإنما جعلوا لسان حالنا يردد نحن أولو ضعف وأولو فقر شديد.
لك الله يا وطن ولنا الله معك ونحن وإياك ـ أنت بترابك وبحرك وبرك وجبالك وطولك وعرضك وسمائك وهوائك ـ ونحن بملاييننا وعددنا وعتادنا نختصر ونختزل تاريخاً ومصيراً وأمناً ووحدة بشخص أو أشخاص نبقى ببقائهم ونزول بزوالهم حتى وإن كنت جماداً، فعليك أن تنتهي بأي طريقة لأنك ليس لك معنى ولا داعي لبقائك ووجودك ما دام من يدعون أنك وجدت لأجلهم غائبون عنك بفعل سنين ونواميس الحياة أو غيرها أو بمعنى أصح هم أوجدوك من العدم وكونوك من لاشيء فلماذا تبقى شيء ؟.
أما نحن فإن علينا أن نموت حرقاً أو غرقاً أو جوعاً أو عطشاً أو حرباً أو إبادة ً فنحن في الميزان أقل من الجرذان التي يجب أن تعيش في الخرائب أو تموت في الأقفاص والشراك والسموم . لك الله يا وطن ولنا الله معك .