الأشقاء في المملكة لديهم حساسية مفرطة من مفردة "الثورة"، فالثورة والجمهورية والأحزاب والتظاهرات والحريات السياسية جميعها من الأشياء المقلقة التي تستوجب الحساسية والخوف من وجودها في بلد واقع في تخوم البوابة الجنوبية البالغ طولها قرابة ألف وخمسمائة كيلو متر والتي قد تصير يوماً بؤرة ثورية مهددة لاستقرار الشقيقة الكبرى.
فمن حق الأشقاء أن يتوجسوا ويتحسسوا مما يجري في الجوار، ولكن ما ليس من حقهم هو أن تصير هذه الحساسية مرضاً معدياً وخطراً إلى درجة التعامل معه وكأنه شر مستطير ينبغي القضاء عليه في مهده وموطنه؛ فهنا مكمن الخطر.. على هذا الأساس يتم التعامل مع ثورة اليمن الحاضرة وبذات الأسلوب والمنطق الذي أجهض ثورة 26 سبتمبر 62م.
وإذا كانت المملكة قد نجحت في إخماد وهج ثورة 26 سبتمبر، فإنها مطالبة اليوم ألا تكرر ذلكم السيناريو الذي أضر كثيراً بدولة اليمن وشعبها, لا بل بالمملكة ذاتها التي لم ولن تظل في منأى من تبعات وجود نظام جمهوري ضعيف وغير مستقر، فلربما استطاعت أن تبقي اليمن ضعيفاً سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً, لكن مثل هذا النهج بات الآن خطراً مهدداً ليس لليمنيين فحسب وإنما للشقيقة ولدول المنطقة والعالم عامة.
دعم الرئيس صالح وعائلته لن يكون مطلقاً كدعم المملكة لحكم الإمام /محمد البدر وأسرته، فهنالك فرق بين مناهضة ثورة ضباط أطاحت بنظام ملكي سلالي قبل نصف قرن وبين مناهضة ثورة شعب لإسقاط حكم العائلة الجمهورية، ففي كل الأحوال ستبقى اليمن جمهورية ولن تكون مملكة والعكس أيضاً.
دعم المملكة لبيت حميد الدين تسبب في حرب أهلية دامت أكثر من "7" سنوات ومع ذلك لم تفلح بإعادة الملكية, بل على العكس, فحتى اتفاق عقان عام 70م الذي أوقف الحرب وأعاد الملكيين إلى حكومة الجمهوريين, إلا أنه لم يئد تلكم الجمهورية بقدر ما أحالها إلى مسخ مشوه تتشاطره القبيلة والعسكر والتجار الفاسدون ومشائخ الدين.
اليوم وبعد نصف قرن على ثورة الضباط الأحرار أجد المملكة تنهج نفس الأسلوب القديم الذي اتبعته مع ثورة سبتمبر، في الأمس ناهضت الثورة خشية من تمدد ثورة مصر عبدالناصر، واليوم تناهض الثورة خوفاً من اتساع رقعة ثورات ما بعد مبارك وزين العابدين، كأن المشهد يعيد نفسه، فلم يتبدل سوى تاريخه وشخوصه، فالثورة هي الثورة والنظام هو النظام العائلي والمملكة هي المملكة.
المخاوف من عدوى الناصرية والبعثية والقومية والاشتراكية لم تعد قائمة, فلكل مرحلة شعاراتها ومفرداتها ورجالها وما كان مخيفاً وبعبعاً في الماضي صار مطمئناً ووديعاً في الوقت الحاضر، فإذا كانت الحقبة الفارطة قد أبقت اليمن وشعبه تحت السيطرة، فمثل هذه الطريقة ربما نجحت في جعل مقاليد الحكم في اليمن تحت السيطرة منذ الإطاحة بالمشير السلال في 5 يونيو 67م, لكنها قد تكون الآن مدمرة وكارثية حاضراً ومستقبلاً.
فمن مصلحة المملكة اليوم وجود دولة قوية ومستقرة على حدودها، وعليه يجب التعامل مع ثورة اليوم بمنطق الحاضر لا بذات العقلية القديمة المتوجسة من جمهورية ديمقراطية، فهل من المنطق والعقل دعم فكرة الجمهورية العائلية المرفوضة شعبياً وأخلاقياً وسياسياً ومنطقياً؟.
الولايات المتحدة وأوروبا تعاملت مع النظم المستبدة, باعتبارها الضامن لمصالحها ووجودها، الآن اضطرتها هذه المنافع والمصالح إلى تكوين علاقات جديدة مع المجتمعات الحديثة الناهضة، المملكة معنية بتغيير سياستها من احتواء الجار الضعيف إلى شراكته كدولة وشعب، فإذا كانت مصلحة الشقيقة وجود دولة ضعيفة وهشة في الأمس، فإن مصلحتها اليوم تكمن بدولة مدنية قوية في اليمن.
محمد علي محسن
ما أشبه الثورة وما أشبه المملكة!! 2471