بالأمس تلقيت رسالتين تلفونية قصيرة كلها لوم وعتاب واتهام بالتخاذل والتقصير واللامبالاة، أما الأولى فهذا نصها "الست/ عفاف ننتظر منكِ بشغف مقالات عن واقع أبين و استغرب صمتك"، بينما الثانية فكانت على النحو التالي "أمك أبين اليوم يا بنت أبين النجيبة في أشد الحاجة إلى قلمك، فكوني وفية"، وهكذا وحيثما كنت وأينما اتجهت حاصرني القراء وبالأخص أبناء أبين الذين حملوني الأمانة وطالبوني بالوفاء والكتابة عن محافظتهم الأبية التي بدأت أشك في انتمائها إلى الجمهورية اليمنية، هذا الإحساس الذي ساورني وصار راسخاً في ذهني، فما أراه من تعتيم إعلامي رهيب وتجاهل عجيب عن مأساة من كانت بالأمس بوابة للنصر التي غدت اليوم بوابة الجمود والخذلان.
ومن يرى أبين اليوم تنتابه الحرقة والأسى ولن يصدق أنها المحافظة التي احتضنت "خليجي20" ورفعت الرايات وابتهجت وتفاءلت، أحببنا فيها الأمان والسلام الذي لم يعد لنا منه إلا ذكرى لزمن غابر، فبين عشية وضحاها أفقنا على واقع مخيف وحاضر مرير وغد مجهول وتخيل عزيز القارئ كيف يعيش من فقد نعمة الأمان وحرم لذة الاطمئنان.
فالأحداث المأساوية الجارية اليوم قد تسببت في تشريد العباد وتخبطهم وضياعهم، فمنازلهم قد دكت وبعضها تعرضت للنهب والسلب، ومن آثر الصمود إما لفقره وعجزه عن تأمين المواصلات التي تقله وعائلته إلى آماكن آمنة أو آثر الصمود دفاعاً عن منزله وأثاثه ومن يعول من المسنين والعجزة الذين صاروا بالنسبة له عبئاً ثقيلاً ومع ذلك لا يملك سبيلاً آخراً، حتى هؤلاء فرض عليهم حصاراً لا يرضاه الله ولا رسوله إذ لا ماء ولا كهرباء وغدوا تحت الإقامة الجبرية التي يجهلون مدتها.
إن أبين اليوم تدفع الثمن باهظاً، تشكو جحيم الحرب وسعير اللصوص وانقطاع الخدمات وأما من نزح عنها، فقد كان يظن أن جهوداً ستبذل لإطفاء نار الحرب التي استمر لهيبها ودفع ضريبتها المواطن المغلوب على أمره الذي كتب عليه أن يتلقى الجرعة تلو الأخرى من تردي خدمات وتدهور واضطرابات حتى وجد نفسه غريباً طريداً وشريداً يفتش له عن مأوى، ما جعل الكثيرون يتساءلون إن كانت أبين محافظة يمنية أم صومالية؟، وإن كان الصومال أوفر حظاً منا، فإن قلتم إنها يمنية، فأين واقع الحال الذي يصدق ذلك، لماذا لا نجد من يدين أو يستنكر أو يشجب؟، لماذا لا نجد من المنظمات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية ما يشعرنا بأننا مازلنا ننتمي إلى خارطة الجمهورية اليمنية؟ وأين هي مما يحدث في أبين من بشاعة، فالبنية التحتية قد دمرت أو كادت، وسكانها شردوا، ومنازلها قد هجرت إن لم تكن دمرت، وأسلاك الكهرباء قد تم السطو عليها وآبار المياه عرضة للقصف، فأين يذهب المستضعفون الذين لا حول لهم ولا قوة؟ وأين يذهب من أجبر على البقاء والكل يحرص على تضييق الخناق عليه، فالخدمات معدومة إذ لا ماء ولا غذاء ولا دواء وهو يرى بأم عينه أشخاص فتكت بهم الأمراض وحيوانات نفقت من الجوع والعطش.
إن المحافظة الخضراء التي احتضنت بالأمس "خليجي20" تحترق اليوم وتوجه دعوات مستعجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه منها، فالجميع يتعامل مع القضية بأسلوب يثير الاستغراب والدهشة حقاً ولا يأبه بالمواطن الذي صار في وضع لا يحسد عليه.
نأمل أن نجد من المنظمات الإنسانية والحقوقية المحلية والدولية التجاوب والتفاعل الذي يسهم في إطفاء نار الحرب كي يعود الأمن والاستقرار، سائلين المولى عز وجل أن يجعل محافظتنا الحبيبة آمنة، مطمئنة، وأن يعم الخير والسلام أرجاء الجمهورية اليمنية.
عفاف سالم
أبين بين واقع مؤلم ومصير مجهول 1915