هكذا باتت اللغة التي يفهمها أطفالنا اليوم (تـُماش وتنابل) يقصدون (طماش وقنابل)، فأطفالنا الذين كانوا يستهوون الركض في الحدائق ويتسابقون للريموت كنترول باحثين عن "سبيستون" وكرتون الأطفال، باتوا اليوم عُرضة للتدمير النفسي والتحطيم لنقاء البراءة، فأينما تحط أنظاري على طفل أجده إما يحمل لعبة (بندقية) أو يتلفظ بألفاظ الحرب، فباتت حياتهم اليوم (تـُماش وتنابل) كما تحدثت لي صديقتي "هنية الظاهري" عن طفلها (فريد) الذي لا يكف عن مطالبتها بشراء (تـُماش) للعب، بالتأكيد فبدت على ملامحها بذور الخوف من نفسية واهتمام فريد الذي تأمل أن ينسلخ عنها مسافات، ليعود إلى مطالبتها بالخروج للحديقة.
أما عن التنابل، فهو لفظ أسعدت به طفلة جميلة الجميع بنطقها له سمعتها يوماً تتحدث عما رأته حينما كانت الحصبة تُقصف، فيا لها من مفارقات عجيبة وسريعة لأطفالنا سواءً في أحوالهم أو في انطباعاتهم واهتماماتهم بين الأمس واليوم.
أطفالنا اليوم يشاهدون الكون من حولهم، فيطبعون في ذاكرتهم ما يشاهدونه ويحاولون التماسه ولو بحدود قدراتهم العقلية والجسمانية، فتجد طفلاً يحمل البندقية ويوجهها بوجه صديقه ويطلب منه أن يموت (تمثيلاً)، فيشعر بالسعادة، بل وتصل إلى بعضهم بأنه يعتدي على أصدقائه بحجة أنهم بلاطجة ويوّجه في وجه أي شخص يشعر تجاه بالعِداء (المُعدّل اللعبة)، كما رأيت إحداهم ينطقها, هذا تماماً ما خلفته الأيام الطاحنة في نفوس فلذات أكبادنا.
نريد أن نحمي أطفالنا من العبث بسلوكياتهم وطبائعهم وطفولتهم بالحرص على عدم الانغماس، فيما يحدث للبلد ونشيع بينهم حب أبناء البلد لبعضهم البعض، حتى لا تسود لغات الكره بين أطفالنا.
كما أن على الأمهات أن يصرفن أنظارهم قليلاً عن لغات وأوجه الحرب بشتى الطرق، فالأم أكثر من يعلم باهتمامات طفلها وميوله ولينقذن نفسيات أطفالهن من لغات الموت والدمار.
مازلتُ أتذكر جيداً نفسيتي في حرب 94م ولم أتمّ حينها الثامنة من عمري، فكنت أهرول إلى الشباك والأبواب لمشاهدة أضواء وسماع أصوات القنابل والصواريخ، فكانت تصرخ، فلا يجدي صراخها لذا تلجأ لإخراطي في مهمات صعبة منزلية، فلا أخرج منها إلا إلى فراش النوم، فكنتُ أبتعد شيئاً فشيء عن جو الحرب، بل وما زلتُ أتذكر وجه أمي الباسم وهي تشرّع في سرد حكاية قبل النوم، فتبدأ بحكاية سندريلا، فأعبس بوجهها أريد حكاية الوحش والغابة وكيف قُتل الوحش؟، فتتظاهر بعدم معرفتها لها، فالجأ لتذكيرها بالحكاية بأكملها، فتضحك كوني لا أنسى شيئاً.
هكذا نريد من أمهاتنا أن يبذلن قصار جهدهن لعزل أطفالهن نفسياً من التدمير والتحطيم وسلبهم من لغات العنف والحرب من حولهم.
فلا نريدهم يلفظون (طماش ولا قنابل ولا حتى معدّل) مؤقتاً حتى تعود يمننا الحبيب سالمة آمنة مطمئنة وينعمون فيها
أحلام المقالح
تُماش وتنابل 2466