ليست ليبيا وحدها يستلزمها ثورة من أجل النظام لا سقوطه وفق تعبير المفكر العربي/ عزمي بشارة، وإنما أيضاً اليمن مطلبها النظام، في أحايين كثيرة تكون حماستنا مرتفعة ولحد المطالبة بسقوط النظام أو تغييره، فالواقع أن هذا البلد لا يحكمه نظام كما هو حال مصر وتونس، بل تحكمه عصابة وعائلة وشلة لا صلة لها البتة بنظام الحزب الواحد ذو العقيدة الواحدة أو بالنظام القائم على القبيلة أو الطائفة أو المنطقة.
إذا كانت الثورة الشعبية هدفها إسقاط النظام؛ فهذا النظام لا وجود له سوى في ذهنيتنا وخطابنا ودستورنا وسلوكنا المستمد من إرث النظم السالفة أو من ترهيب وترغيب سلطة العصابة المستحكمة بالمال والقوة والوظيفة وغيرها، الواقع لا يؤكد بثمة نظام فاعل ومؤثر في اليمن، فلماذا نماثل ثورتنا بثورتي تونس ومصر؟، فهذان البلدان العربيان غير اليمن وليبيا اللتين هما بحاجة ملحة للنظام لا لسقوطه.
في تونس ومصر كان لثورتهما أن أسقطت النظامين ورأسهما وحزبهما المستأثرين بكل مقاليد السلطة بما تعني هذه السلطة من مال وقوة ونفوذ وسطوة، بينما في ليبيا واليمن غاب النظام وحضرت الفوضى واللانظام، في الأولى لم يدم الرئيسين "بن علي" و"مبارك" سوى 28 يوماً و18 يوماً على التوالي، فأياً كان النظام وصلفه وقوته، فأنه في النهاية سيرضخ ويستسلم لثورة شعبه، أما وحين يغيب النظام، فتكون النهاية بعيدة المنال ومكلفة جداً ولنا بثورتي اليمن وليبيا أسوة.
النظام لا يكون إلا بوجود دولة، والدولة لا تكون إلا بنظام عام يضبط إيقاع الحكم والمحكومين، هذا الإيقاع المنضبط مفقود في اليمن، لذا تأخر الحسم كثيراً، كيف ولماذا ينبغي لنا استعادة النظام بدلاً من إسقاطه؟ الإجابة: شاهدوا تلفزة الدولة وطالعوا صحفها الرسمية ستجدونها عبثية وفوضوية وهمجية لدرجة الرثاء على النظام.
الرئيس المؤقت/ عبدربه لا سلطة له على قناة "اليمن" أو وكالتها الرسمية، الشخص الآن يعد رئيساً للبلاد ومع ذلك ليس بمقدوره ممارسة سلطاته، أتدرون لماذا؟ لأن اليمن تحكمه عصابة وليس نظاماً، فلا المؤتمر الشعبي بمستطاعه تسلم الحكم باعتباره صاحب الغالبية النيابية أو الحكومة تأتمر من اللجنة العامة أو أن المعارضة يمكنها الحكم، فكل هذه الأشكال تواجه برفض وعنت من بيده زمام القوة والمال والقرار.
البعض يسأل لماذا تأخرت ثورة اليمن؟ أعتقد أن السبب يكمن بغياب النظام، فمن يظن آن الرئيس/ علي عبدالله صالح بني نظاماً سياسياً من أي نوع ديكتاتورياً وشمولياً أو ديمقراطياً، فهو واهم، وإما أنه يعيش في قصر عاجي، نعم حكم "33" عاماً وكان داهية بتدمير كل شيء أرساه أسلافه الرؤساء جنوباً وشمالاً.
لو أن هنالك حزباً سياسياً يحكم اليمن لكان المؤتمر أولى بأمينه العام من المعارضة والأشقاء والأصدقاء الداعمين لتوليه السلطة، لو أن في اليمن حكومة وبرلمان ومجلس دفاع أو قضاء أو دستور وقانون فاعل لما احتجنا كل هذا الوقت في إقناع نجل الرئيس وأعمامه وأبناء أعمامه وأقربائه الذين هم فوق الحكومة والبرلمان والمؤتمر وحتى الرئيس المؤقت ذاته.
في أحايين كثيرة نغفل حقيقة هذا الإرث المثقل لكاهل اليمنيين، فالواقع يؤكد أن من يحكم اليمن ليس المؤسسات والنظام، وإنما من يحكم هو مال البنك المركزي السائب الذي بدوره صنع قوة وترسانة الحرس الجمهوري والأمن المركزي والقوات الخاصة والموالاة والأنصار، فجميع هذه الأشياء اقترن وجودها ومصيرها بشخص وعائلة وعصابة لا بوجود نظام سياسي.
محمد علي محسن
الشعبْ يُريد النظامْ 2462