منذ بدء الثورة في اليمن ثمة صراع من نوع آخر يشغل شباب الثورة ويلقي بظلاله على فعلهم الثوري، فالنظام والمعارضة كقوى تقليدية هما من تظهر كقوتين داخليتين إلى جانب الشباب وتتحكم بالمشهد اليمني على الرغم أن الشباب هم الورقة الأقوى والفاعلة على الأرض إلا أنها لم تستطع حسم الثورة بسبب هذه القوى والتي طوال الأشهر الماضية صورت ما يحدث في اليمن على أنه أزمة سياسية.
لا يستغرب مما يقوم به النظام، لكن ما يستغربه شباب الثورة هو إصرار المعارضة والمتمثلة بأحزاب اللقاء المشترك على الاستمرار في التمسك بعملها السياسي التقليدي الذي يحاول كسر إرادة الشعب اليمني المستقلة وفرض الهيمنة الغربية على قرارته.
فالمعارضة تتصرف وكأنها العاقل الوحيد في اليمن فالأحداث قد أثبتت فشل المعارضة التقليدية في التعامل مع متطلبات الأوضاع، فهي لم تعمل إلا على تأخير حسم الثورة بتصدرها المشهد في كل مرة، مع أن انضمامها لثورة الشباب لم يأت إلا في وقت متأخر ومع أن وجودها في الساحات كان مؤثراً من خلال إمساكها لتلك الساحات من خلال اللجان التنظيمية والأمنية والمالية وغيرها من اللجان باعتبارها الأكثر تنظيمياً والأوفر مالاً.
الشباب والذين لم يجدوا أي ضرر على الأقل على المدى القريب من تحكم هذه القوى باعتبار أن الساحات ما هي إلا اختبار حقيقي لمدى نجاح الدولة المدنية التي ينادون بها وتتعايش في ظلها كل الأطياف والمسميات السياسية جعلتها تصمد أمام محاولات النظام المستميتة لشق الصف بين المعارضة والثوار الشباب.
إلا أن الأحداث طالما أخذت المعارضة من العمل الثوري بدءاً من المبادة الخليجية وليس انتهاء بخروج علي صالح من البلاد وسط استنكار شباب الثورة ورفضهم لتلك المبادرة المجحفة بحق الشعب اليمني إلا أن المعارضة وتحت مبررات حرصها على الدم اليمني وضرورة العمل السياسي الذي يعمل على استقطاب الدعم الدولي وفك الدعم الخارجي عن النظام ضرورة جعلت شباب الثورة يسلم ولو بعض الوقت بالعمل التقليدي لهذه القوى.
وعلى الرغم ما تمخض عن ذلك من ضياع للفرص وإطالة بقاء الثوار في الساحات وازدياد وتيرة العنف ضدهم لم تبادر هذه القوى بدورها بعمل يتناسب مع تطور المشهد على الأقل لجعل العالم شاهداً على تلك الانتهاكات التي قام بها النظام ضد شباب الثورة لتتسع هوة الاختلاف بين الفكر المتطور لشباب الثورة والفكر التقليدي لهذه القوى التقليدية، ويبرز هذا الاختلاف بخروج علي صالح من المشهد السياسي، حيث توقع شباب الثورة من المعارضة عملاً يؤكدما كانت تدعيه طوال الأشهر الماضية ويتناسب مع التطور التاريخي والمشهد السياسي في اليمن، لكن ما قامت به خالف كل التوقعات، فهم لم يجدوا إلا من يسرع ليكون مكملاً للنظام، أسابيع تمضي والمعارضة كمن ترتب توزيع وتقسيم الحكم بينها وبين من تبقى من نظام علي صالح، فأين ولاءها للثورة؟! وأين التزامها بالمضي في تحقيق أهداف الثورة؟!.
لم يكن اليمن بحاجة للثورة إذا كان إقصاء علي صالح عن الحكم هو الهدف، كان بالإمكان الانتظار العام أو لحتى لعام 2013م أو قبول أي مبادرة من تلك المبادرات التي تقدم بها إذا كان هو بذاته ووحده المشكلة، لم نكن بحاجة لسقوط كل أولئك الضحايا من الشهداء والجرحى أو تدهور الاقتصاد وتخريب المؤسسات وتدمير الممتلكات ونزوح السكان وترويع الآمنين وكل هذه الأزمات التي تقتات اليوم من قوت المواطن ومن أمنه.
أما أن يتحدث هؤلاء عن نقل السلطة بالتكلفة الأقل فعلى أي تكلفة يتحدثون؟!، يبدو أن مكاتبهم ومقراتهم ومساكنهم وأسرهم بعيدة عما يدور في هذا الوطن، ألا يعلمون أين صار الوطن وبأي حال صار المواطن؟! فإذا كانت هذه هي التكلفة فقط لإقصاء علي صالح؟! كم سنحتاج لإقصاء بقية رموز النظام بعملهم التقليدي وفكرهم العاجز عن التعامل مع تطورات العصر، أليس الإبقاء على من تبقى من هذا النظام خيانة لدماء الشهداء والتفافاً على الثوار ووأد الثورة في الساحات؟!.
المعارضة التقليدية تبحث عن أقصر الطرق للسلطة، ليس هذا جرم ولكن الجرم حينما تدخل في تسويات مع نظام شريكاً في الحكم، فعبدربه منصور هادي يبدو أنه ليس قادراً على المغامرة والاعتراف بمسؤوليته الوطنية والتعامل مع المرحلة كثورة، أما الأميركيين والسعوديون ومن تبقى من نظام علي صالح والمعارضة فيقفون اليوم في ذات الخندق الذي يحاول مصادرة تطلعات الشعب اليمني وطموحاته وسلب إرادته الثورية، فهم وبكل قوة، يسعون لجعل التدخلات والإملاءات الدولية واقعاً يفرض على من في الساحات والشعب اليمني على السواء.
فهل ستستمر المعارضة بالبقاء في ذلك الخندق؟! أم أنها ستعلن تبرؤها الحقيقي منه وانحيازها لإرادة الثورة والبدء في تصعيد ثوري قوي وجدي بدلاً من لوم الآخر ومعاقبته أو الانتقاص من قدراته وضياع الوقت بالمهاترات، فالساحات ليست ساحة لتصفية الحسابات أو البدء في حسابات جديدة، إنها نموذج أقرب للدولة المدنية الحديثة، فلا يجب أن ييوأد بالمصالح الوقتية أو الحزبية أو الشخصية ولتكن مصلحة الوطن أولاً ليس شعاراً يكتب أو يهتف به وحسب وإنما واقعاً يلمسه كل مواطن يمني.
إنه الاختبار الأخير لهذه القوى التقليدية صاحبة القرار وطموح المرحلة وصاحبة المبادرة الفيصل في المشهد السياسي من خلال استيعابها لتطورات الوضع الراهن والتعامل معه وفق مقتضياته أو تصبح جزءاً من الماضي الذي سقط وأصبح وجوده ثانوياً وعلى المعارضة أن لا تستغل ثورة الشباب وثروتهم لتحسين وضعها في المفاوضات وإلا بماذا تختلف عن نظام يستغل ويتخذ من انفلات أمني في بعض المدن الجنوبية لزيادة زمن بقائه في السلطة ويعمل ينجوا من أي من أي ملاحقات قضائية.
يمكن أن تصبح المعارضة إنجازاً يهدف للنقل الثورة وهي اليوم مع الأسف لا تتعامل مع شباب الثورة كلاعب احتياطي وتترك العمل إليه وتعود تحت جناح الثورة ما إن تستد أفق الحلول بينها وبين النظام أو عندما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن!!.
بشرى عبدالله
المعارضة.. وخيار السقوط 2206