تعيش اليمن اليوم بدون صورة الصنم، وبعيداً عن هتافات الصنمية، يهتف شبابها لغد مشرق، وزمن جميل، ومستقبل مزدهر، واثقة من خطاها نحو الغاية التي حددتها الثورة في دولة مدنية حديثة، وهي في ذلك كله تحتضن الأمل الباسم، وتوزع الثقة في النفس، وتغرس الاعتماد على الذات، حتى أصبحت هذه القيم جزءاً أصيلاً في الذات اليمنية التي عمد نظام صالح طيلة ثلث قرن على تقزيم صورتها، وتحجيم دورها، وحشرها في قائمة المتسولين، وتصدير صورتها للعالم باعتبارها عالة على العالم.
إن الثورة باعتبارها حياة جديدة ليمن جديد، استطاعت ومنذ اليوم الأول أن تجعل صالح ونظامه من الماضي، إن الثورة ولدت شابة في الميادين، في حين مات النظام بعيداً عن حياة شخص أو موته، فالثورة حركت دولاب التاريخ اليمني، ورسمت مدار عهد يماني جديد، عهد لا مجال للمرتزقة فيه، ولا يقرب الكذبة من مصدر القرار، ولا يكون القادة أساطين في الكذب، ولا يكون كبار المسؤولين متخصصين في قول الزور وشهادة الزور، ولا يكون رجالات الدولة كذابين فيه بامتياز، فالكذب والغدر والخداع والمكر، من الماضي أي من زمن صالح ونظامه.
إن الثورة أداة التغيير التي تتحرك بها اليمن من الحياة في الأزمات وتفنن المسؤولين في صناعة الأزمات، والاجتهاد في الحرب على الشعب، ومعاقبة الشعب على صبره على فسادهم وإفسادهم، فقد سئمت اليمن الحياة تحت قسوة أزلام صالح ونظامه، لم يعرف اليمن من قبلهم خيراً أبداً، ويستخدمون إمكانيات اليمن في محاربته، والعدوان عليه.
ومن هنا فالثورة كانت الحل في الانتقال من الانفعال إلى الفعل، من التبرم والشيق إلى إزالة الفساد، من البكاء والأنين، مفردين ومنفردين إلى ثورة شعبية سلمية طهرت اليمن من صالح ونظامه، لا مقارنة بين الحياة والموت لا مقارنة، سنصبر صبر الدهر، وسنحافظ على يمننا في حدقات أعيننا، حتى لو قتل منا ما قتل، حتى لو روع الآمنين، وأخاف المطمئنين، واحترف قتل المواطنين، فهذا هو مشروع صالح ونظامه، بدلاً من أن يقدم للطفل دفتراً يرسل له قذيفة، وبدلاً ما أن يرحم الصغير ويوقر الشيخ الكبير، يقصفهم بالدبابات، لكننا سنصبر وندعو عليهم، ونسأل الله أن يلطف باليمن وأن يهلك الظالمين بالظالمين عاجلاً غير آجل آمين.
خاتمة:
رحم الله نزار القباني، حيث يقول عن أوضاع تشبه أوضاعنا:
منذ أن جئت إلى السلطة طفلاً
ورجال السيرك يلتفون حولي
واحد ينفخ ناياً..
واحد يضرب طبلاً
واحد يمسح جوخاً.. واحد يمسح نعلاً..
منذ أن جئت إلى السلطة طفلاً..
لم يقل لي مستشار القصر (كلا)
لم يقل لي وزرائي أبداً لفظة (كلا)
لم يقل لي سفرائي أبداً في الوجه (كلا)
لم تقل إحدى نسائي في سرير الحب (كلا)
إنهم قد علموني أن أرى نفسي إلهاً
وأرى الشعب من الشرفة رملاً..
فاعذروني إن تحولت لهولاكو جديد
أنا لم أقتل لوجه القتل يوماً..
إنما أقتلكم.. كي أتسلى..
د. محمد عبدالله الحاوري
ثورة الشباب أنقذت اليمن من قبضة المفسدين 2208