;
د.محمد عبد الرحيم الشلفي
د.محمد عبد الرحيم الشلفي

من وحي الثورة.. 1882

2011-06-21 04:09:20


عاش كل مواطن يمني ردحاً من الزمن ثقيل الخطى كئيب الضلال,, صارع فيه الويلات ليعيش.. أمضى فيه طوال 33 عاماً أي جل عمره الافتراضي لا يفقه كيف يحكم بغير صالح.. سنوات عجاف خيم فيها فصلٌ باردٌ مظلمٌ واحدٌ لا أربعة.. لم تدور بنا فصول السنة كل شيء كما هو أو أسوأ لم يكبر سوى الظلم، لم يزهر سوى الفساد، لم تحمل فحشاً، سوى كروش البغاة، بغاة العرش.
أحلام الأطفال ظلت كما هي أحلام.. أمال الكبار لم تزل هي وورثها الصغار.. لهف الخائفين للأمن والأمان طال وظل اللهف وزاد الخوف.
الحاكم وزبانيته فقط هم من انطبقت عليهم سنة الحياة في التطور والتمدد، أما نحن فتسابقنا في التلاشي .. تزاحمنا على أطراف فك الفساد الذي التهم آمالنا الغضة.. وطحن كل أحلامنا..
سكنت أحلامنا في سجن ضيق كضيق المساحة بين جلد المواطن الفقير وعظمه، اجتهدنا في ظلم أرواحنا المنهكة، سمحنا للظالم ليتفنن في ظلمنا أكثر وانتظرنا الفرج كثيراً، حتى أدمنا الاستسلام, أنكرت بديهياتنا شيء اسمه الحرية, فقدنا القدرة على قول لا، حتى استسغنا الظلم عذباً والطغيان مغنماً، حتى لم نعد نرجو شيئاً سوى أن يستمر الظالم في ظلمه لنا حتى لا نفقد طعم الحياة المرتبط في أحلامنا المنهكة بظلمه المستمر، فنهلك أو نموت..
وأصبح الفتات من الحاكم منحة لا تكافئها إلا الفداء بأرواحنا، وصار فساده إنجازاً وطنياً ونهب حقوقنا تفضلاً منه والقدرة على التسلل كالأنعام إلى دول الجوار مكرمة رئاسية تستحق الانحناء له إجلالاً وإكبارا.
نعيش على الفتات ونحكم بالضيم وننام خائفين ونفتقر لخدمات صحية متطورة أو تعليم متميز ونخفق في كل المجالات, أحكمت علينا ثقافة العيد عيد العافية واقتنعنا بنظرية الخوف من التغيير وأن الآتي سيكون أسوأ من الماضي، هذه القناعات لم تأت اعتباطاً، بل هي مخلفات لماض قريب وانعكاس للإخفاق في تحقيق أهداف ثورتي أكتوبر وسبتمبر، مما ترسخ في أذهان الآباء أن التغيير لن يأتي بأفضل وكثيراً ما نسمع بأن الأمن والأمان ونزاهة القضاء كان أفضل أيام الإمامة..
 الكل يعترض ويتذمر ويبكي ويشكي من الفساد، ولكن أن يخرج احدنا ويقول للفساد كفاك إرحل، فيقابله الكثير من الشاكين الباكون بالاعتراض والاتهام بأنه انفصالي ومندس ويحمل أجندة خارجية، تدعمها إيران وأميركا وقطر وإسرائيل واللوبي الصهيوني والماسونية (حسب محلل مصري قدم اكتشافه المرعب على قناة اليمن أخيراً).
لن تكون وطنياً إلا إذا حملت صورة للحاكم وأمسكت بيمينك بصميل وهتفت "ما لنا إلا علي"، فهو الأمن والأمان وإن أنهكنا الخوف طويلاً، هو العدل والحكمة ولو قتلنا الظلم والإخفاق، هو الأب والوطن وإن كنا بنظره تركة سيرثها ولده المدلل، هو الفخر والانتصار ولو سلب حاضرنا من ثمة شيء يجلب لنا الفخر بين الأمم, هو صاحب السمو والجلال وإن أغرقنا بالفاقة ذلاً ومهانة، هو الشرعية الدستورية وإن كانت الأيام المتبقية له في الحكم أهم من دماء الشعب شمالاً وجنوباً.
قضى على البطالة، فوظف الإعلاميين العاطلين في البحث عن منجزاته من بين التراب الذي دفن فيه الوطن، ومن أنقاض الخراب الذي حل بأزقة آمالنا وآلامنا، فابتهلوا في مدحه وشكر نعمه، فأوشكوا أن يقولوا "وإن تعدوا نعمه، فلن تحصوها".
وقضى على الأخلاق وجعل حتى النخبة يدلسون على المجتمع بأن الحاكم لا يقتل الثائرين، بل يخلق حياة جديدة لا يسفك الدماء، بل يطهر الوطن من دماء شذت عن تمجيد إله السبعين وهو لا ينتزع أرواحهم الزكية، بل ينتزع بذرة خبيثة توشك أن تفسد ثقافة التهليل والتطبيل لعظمته.
يكسر مرايانا، لكي لا نرى حقيقة ما نحن فيه وحتى لا نرى وجهاً سوى وجهه ولا حقيقة سواه، ويزهق أرواح المتأوهين ألماً من بغيه حتى لا تشذ عن نظم قوافي المادحين ورقص المأجورين على باب قصره المهيب، يزعجه أنين الشاكين من ظلمه، فيجهز على أرواحهم ليسوده الهدوء والسكينة.
يكره إلا أن نقبل يديه، فرحين بكل بؤس حملته إلينا تلك اليدان، ويأبى إلا أن نرفع صوره فوق رؤوسنا وإن لم يأت من هذا الوجه سوى الفاقة والعجز وأحجار الأساس المشنوقة كرؤوس آمالنا وأحلامنا.
نجح في إقناعنا أنه قدر لنا ومنحة ربانية ظل أسلافنا يبتهلون المولى ليتكرم بها علينا، وأصبح إنكار الظلم خيانة للشرعية وغدى تمجيد الظالمين دليل المواطنة الصالحة والرضا بحكم الابن، لأنه يحمل في عروقه الدماء الصالحية وأنه قد اصطفاه وطهره ورضي به لليمنيين إماماً من بعده، هو ذروة سنام الوفاء للوطن والوحدة.
تحضر الشرعية الدستورية وتتجلى في أبهى صورها، عندما يفكر مواطن في استعادة وطنه المسلوب من طاغية أو إعادة حلمه التائه في ظلمات بعضها فوق بعض، لكنها تغيب وتكون أضعف ما يكون في القضاء والمحاكم والمؤسسات التي يفترض أن تخدم المواطن.
صانع المعجزات والمنجزات لم تسعفه هذه حينما نقل للخارج ليلقى رعاية طبية، يفتقرها الوطن ويفتقدها الملايين المهللين بإنجازاته وفتوحاته.
حينها تذكرت أخي الذي وافته المنية في رواق مهترئ لمستشفى المخا الحكومي بعد تعرضه لحادث طريق ولفظ أنفاسه الأخيرة هناك وهو ينتظر إسعافاً لم يصل، لعدم وجود أنبوبة أكسجين وتجهيزات بسيطة لا تساوي قيمتها تخزينة لأحد أولاد المسؤولين.
ذهب صالح إلى فراش المرض في غربة كئيبة، كما غُرب الكثيرون قسراً عن وطنهم وفلذات أكبادهم، رحل ورحل معه رضوخنا للظلم وطوينا صفحة الاستسلام للطغاة، بعده لن يحكمنا طاغية، ولن ينهب ثرواتنا كرش سمين، بعده لن نؤله رئيساً أو نقدس والٍ، إن أحسن فلنا وإن أساء فعليه.
رحل وفي رقبته دماءً طاهرة سالت وما زالت تسيل وأبت نفوس أشياعه إلا أن تحتفل لمجرد تأوه أطلقه في سريره السعودي بإطلاق لأعيرة نارية صعدت للسماء، ثم عادت لتهدي له عبر الحدود دماء سفكت وأرواح أزهقت من جديد، لتعلن لنا أن اقتلوا أحلامكم الوليدة أيها الحالمين بغد أفضل، فما زال الظلم يتنفس.
هي قوة الجبروت المسلط عليهم وهو سوط الاستعباد الذي ألهب وجعهم الأزلي وهو نتاج الاستغفال لألبابهم الموصدة، هذا الجبروت وذلك الاستغفال مازال يمارس عليهم عبر الحدود من رجل طريح الفراش ومثله كمثل سليمان عليه السلام الذي استعبد الجن لسنوات طوال بعد موته وهو يتكئ على منسأته وبعد أن نخرتها دابة الأرض وقع أرضاً، فتبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب الشديد..
خرج صالح في آخر جمعة له في اليمن في حدود أسوار قصره المنيعة، ظناً منه أن قصره هو أكثر الأماكن أمناً بعد أن أشعل الحرب في أنحاء بلده (فظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله)، فامتدت إليه يد القدر لتهلكه وجنوده، (رغم أنا لم نكن نريد أن تنتهي الأمور به هكذا وكنا نرجو أن يرحل بفعل ثوري سلمي وحتى لا يشوه ما حصل الثقافة المدنية السلمية المتخلقة في الساحات)، لم يكن يعرف حينها أن المكان الأكثر أمانا في البلاد هو ساحات التغيير والحرية ولم يكن يدرك وقتها أن خيام الثوار أشد تحصيناً من حصونه وترتيباته الأمنية، نعم ساحات الحرية, هناك حيث المخاض العسير ليمن جديد، لوطن يتساوى فيه الجميع، هناك قصة عشق تولد بين الوطن والمواطن حيث حب الوطن ينبت من جديد ويسقى من دماء الشهداء الأبطال .. هناك حيث البذل للوطن يغمرك بالرضا عن النفس حين تستقبلك صناديق التبرعات لتعرف أنه لا مكان هناك للمرتزقة والمأجورين بل للباذلين والمنفقين ومن يحمل هم الأمة والوطن.
 هناك حيث النور الذي سيخلق قريباً، ليعم أرض السعيدة، فساحات الحرية هي الماء الذي سيطفئ نار الحرب، وهي اليد التي سترغم السيوف لتعود إلى أغمادها وهي أملنا في غدٍ مشرق وهي المخرج الآمن للبلاد والعباد.
وأدعو الله أن يهدي كل اليمنيين للحقيقة التي لم يفطنها صالح.
       groo7i@hotmail.com

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد