سألني أحد أصدقائي منذ أيام عن لبنان، وأين موقعه الآن من الإعلام العربي والعالمي بعد أن كان محور هذا الإعلام إلى أواخر العام الماضي ،2010 وكيف تراجعت أخباره ثم اختفت, كما تراجعت في الوقت نفسه أخبار القنبلة النووية الإيرانية، بعد أن عشنا سنوات ولا همّ للإعلام العربي ومن يشاطره اهتماماته من إعلام خارجي غير لبنان وإيران.
وحتى القضية الفلسطينية وهي أهم ما في الأجندة العربية والإسلامية من موضوعات ساخنة تراجعت هي الأخرى ولم يكن يتم الاقتراب منها إلا في إطار الحديث عن لبنان وإيران، وكأن الوطن العربي قد خلا من كل ما يشغله خارج هذين الموضوعين الساخنين الباردين المكررين.
وسؤال صديقي في محله, فقد نسينا لبنان العزيز وكل ما كان يثار حوله، ونسينا كذلك ما كان يدار حول المفاعل النووي الإيراني وغرقنا في سيل جديد من الأخبار والتعليقات والتكهنات الخاصة بما يجري في عدد من الأقطار العربية من انتفاضات وحروب ومواجهات وكر وفر، ولم تعد هناك من قضية أخرى تهم العرب أو العالم غير هذا الذي يحدث.
والعجيب أن ما يقرب من نصف عام مر على توقف الحكومة اللبنانية الجديدة عن التشكيل ولم نسمع أو نقرأ شيئاً عن الأسباب التي تحول بين هذه الحكومة المنتظرة والظهور، وما رافق هذا التأخير من استرخاء وعدم احتياج إلى حكومة تهدد نعمة الهدوء والاسترخاء.
واليوم وقد نجح التحدي وخرجت الحكومة المتعسرة الولادة إلى الوجود، فإن لبنان لم يعد كما كان منذ اغتيال الرئيس/ رفيق الحريري ـ مصدر الأخبار ومركز الاهتمام العربي والدولي، ولم يحظ هذا البلد من الإعلام العربي والعالمي ما تحظى به الجارة سوريا من اهتمام يفوق كل ما عرفته في تاريخها الحديث والمعاصر،
واللافت أن جانباً كبيراً من الإعلام العربي وما يواكبه من إعلام أميركي وأوروبي ينحو منحى الإثارة في تناول ما يحدث، وذلك مبرر من وجهة نظر هذا الإعلام الأجنبي لأنه لم يعرف بعد حدود مصلحته مما يحدث، لكنه غير مبرر من الإعلام العربي الذي ينبغي أن يكون موضوعياً ومعبراً عن الرغبة الواعية, المتوخاة من التغيير الذي انتظرته الأمة العربية لعشرات السنين.
ولا يساورني شك في أن الأشقاء اللبنانيين واجدون أشد الموجدة على الإعلاميْن العربي والأجنبي, اللذين لعبا دوراً بالغاً في بعثرة جهود التسوية الوطنية وإطالة زمن الاختلاف, وكأن لسان حال جميع الفرقاء في هذا البلد الشقيق يقول للإعلام العربي خاصة: دعونا نعالج شؤوننا بعيداً عن عواطفكم واقتراحاتكم وتصوراتكم، ويكفي ما ارتكبه الإعلام المنحاز إلى التفتيت من جرائم ساعدت على إشعال المزيد من الحرائق المادية والمعنوية, وربما تتمكن الحكومة اللبنانية التي تألفت في غياب الإعلام الصاخب وانشغاله بالثورات والانتفاضات من استعادة وحدة لبنان وتحقيق الحد الأدنى من المصالحة المطلوبة للبدء في إشاعة الأمن والطمأنينة ومواصلة البناء الذي كان قد توقف وأصبح في خبر كان.
الخليج الإماراتية
عبد العزيز المقالح
هل سيعود لبنان إلى الواجهة؟ 2262