من الطبيعي أن لا نرضى عن التعليم؛ لأن التعليم هو المستقبل، ونحن نريد أن يكون مستقبلنا أفضل، لذا فعدم الرضا عن التعليم يعد ظاهرة صحية، لأننا لو رضينا عن التعليم، فإننا سنتوقف تماماً حتى عن الأمل في حياة أفضل، يصنعها العلم.
ومن الطبيعي أن نطالب التعليم بقيادة التغيير وصناعة الرفاه وتوفير الرخاء وحل المشكلات وتحريك عجلة التنمية والدفع بمسيرة البناء وحفظ الهوية وصناعة الشخصية القادرة على تحويل الليمونة الحامضة إلى عصير حلو.
* ماذا نريد من التعليم:
إن التعليم يقوم بعدة مهام أساسية ننتخب بعضها الأولى: الحفاظ على الهوية والقيم الأخلاقية والعقيدة والشريعة والوحدة والمواطنة الصالحة واحترام سيادة (أي الجانب القيمي في العملية التعليمية) والمهمة الثانية: التفكير وتحريك العقل لا استخراج قوانين التسخير، وتفعيل طاقات الكون لأجل الإنسان، والمهمة الثالثة: قيادة التغيير في كافة مجالات الحياة لصناعة واقع جديد لمتطلبات جديدة بفكر جديد، يقوم على العمالة المتعلمة والكفؤة، وعلى التناغم بن مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، وبين مهارات المتعلمين المكتسبة من الخبرات التعليمية وبين احتياجات التنمية، المهمة الرابعة: حل مشكلات المجتمع في مختلف مناحي الحياة، فالعلم في واقع الأمر يتحدى المشكلات، ويجعل منها فرصا حقيقة للنهوض بالشعوب والأمم، والحقيقة التي لا بد من إدراكها بوضوح أن العلم يستطيع أن يعالج أي مشكلة يتصدى لها، فقد تغلب الإنسان بالعلم على الظلام واخترع الكهرباء، وعلى البعد المكاني والزماني بالاتصالات والمواصلات.
* إلى أي مدى نجح التعليم فيما هو مطلوب منه؟
إن الصورة التي يبرزها المشهد التعليمي ومخرجاته في بلادنا اليوم تظهر لنا تناقضاً شديداً، فبينما نشكو من الإقبال الشديد على التعليم حداً يجعلنا نرفع سقف القبول داخل الجامعات، نلحظ بالعين المجردة عزوفاً شديداً عن تملك مهارات البحث العلمي والدأب المعرفي في عدد غير قليل من أبنائنا الطلاب والطالبات، وحين تطالعك نتيجة الثانوية العامة تفاجئك بالمستويات العليا جداً للتحصيل المعرفي للأوائل، نتفوق فيه على الدول المتقدمة حين يلامس أبناؤنا سقف الدرجة النهائية تقريباً.
وفي الوقت نفسه الذي تظهر لنا العين المجردة الضعف الذي يرزح تحته أبناؤنا الطلاب والطالبات، فضعف تعلمهم بادٍ للعيان، والعجيب أن نتائج الثانوية العامة تقسم نفسها بالتساوي على البنين والبنات، وليس على المحافظات فقط، ففي سنة تجد الأوائل بنات وفي السنة الأخرى يتفق البنون أن يكونوا هم الأوائل، وإلا فكيف تفسر أن تأتي النتيجة بنين تارة وتارة بنات، وليس وراء هذا متعجب لمتعجب.
د. محمد عبدالله الحاوري
التعليم ومخرجاته 2195