ربما لأننا في بلد مأساته مركبة فإن فرحتنا بالنصر لم تكتمل بل وربيع ثورتنا اليمنية لازال بدون ألوان واضحة، يحاولون منعنا حتى من مجرد الفرحة بنصر جاء بدماء الأبرياء.
فتارة نسمع أن صالح لن يعود وتارة أخرى أنه مات وتختنق الفرحة في الصدور حين نسمع أنه سيعود ثانية وكأن سيئاً لم يحدث.
الغريب في الأمر أن هذا التضارب في الأخبار عن صحة الرئيس بشكل يجعل حكومتنا فعلا حكومة لها خصوصية مختلفة عن بقية الحكومات وربما كان خير دليل على ذلك هو صنع هذه
الأزمات الخانقة التي يحاولون محاصرة الشعب بها ليسلم بأن عهد علي كان أرحم من التفكير بتغييره.
ندرك أن الثورة تحتاج لوقت طويل حتى تنضج أهدافها وتحقق طموحاتها وندرك أيضاً أننا نحتاج لكثير من الصبر والوقت حتى يتم تغيير وإصلاح ما أفسده النظام الراحل لكننا الآن نبحث عن فرحة هي من حقنا في نصر لم تكتمل بعد ملامح صورته وفي الوقت ذاته مازال هناك من يحاول سرقته منا وأوهامنا أن حكم صالح اكبر من أي ثورة.
تعز التي أُحرقت ساحة حريتها وتحولت الآن إلى ما يشبه ثكنة عسكريه عادت الساحة إليها، لكنها باتت تحلم بنوم هادئ لا يعكره صوت الرصاص ولا يشوه جمال صباحها منظر طوابير المركبات أمام محطات البترول
ماذا يريد من بقي من نظام صالح؟ أن يخربوها قبل أن يغادروا ألا يتعظ هؤلاء ممن قبلهم.. ألم يكتفوا ويرحموا الناس ألا يخافوا الله ألا يدركوا أن هناك يوماً سيساءلون فيه عن أعمالهم هذه ويجزون بها
أم أنهم يستكثرون على هذا الشعب أن يحيا كبقية شعوب العالم ويريدون له أن يبقى مطحوناً في دوامة الفقر والحروب والأزمات التي لا تنتهي لا بوجود صالح ولا برحيله
هذه الثورة كشفت الكثير مما كنا نجهله أو بالأصح نتجاهله من خفايا النظام وسياساته المريبة ضد شعب كل ذنبه أنه قبل بهم حكاماً عليه، الشيء المهم الذي تم اكتشافه هو هذا الجهل المستشري ليس في أوساط الأميين بل في عقول المتعلمين ذاتهم، جهل بالحقوق والواجبات التي أقرها الشرع قبل الدستور وأنزلت من السماء قبل أن تكتب في دساتير الحكومات.
التي هي الآن تخترقها وتكفر بها, لذا فإن المهمة الكبرى بعد إنجاح الثورة وتغيير النظام ستكون بناء جيل جديد واع ومدرك لحقوقه قبل واجباته حتى لا يكرر نفس الغلطة التي ارتكبها من سبقه حين آمنوا أنهم مجرد عبيد لمن يملك الحكم عليهم وها نحن ندفع ثمن رضوخنا للظلم وسكوتنا على الباطل والحكام أيضاً يدفعون ثمن تسلطهم وتفرعنهم علينا، لذا جاء هذا العام بخريف تتساقط فيه عروشهم واحد تلواً الآخر، ونحن كشعوب ننتظر أن تتفتح أزهار الربيع مبشرة بشذا حياة كريمه لكل المحرومين والمظلومين في أرض الله.
جواهر الظاهري
ربيع الشعوب ... وخريف الحكام 1999