نخجل حين نرى الأزقة والشوارع الضيقة مقطعة الأوصال تحت وصاية إما عاقل حارة أو مجموعة لا نعرفهم، يضعون ما تيسر من الأحجار أمام المنافذ حتى يصعب المرور إلى حيث نريد.
ونخجل حين نرى في الميادين والساحات وعلى الأرصفة مجنزرات وعربات جند ودبابات وحشود عسكرية تذهب لتعود وبارود ينتظر أمر سيده لينفجر.
فأي وطن هذا الذي غابت الحديقة والزهرة وابتسامة الأطفال عنه ، لتحل بدلاً عنها غابات من البنادق وليل رصاص يتحول إلى كابوس مرعب وبرنامج موت من الصباح إلى الصباح.
أية حياة هذه التي يصادرها النظام لرغبته في التسلط وارتياحه التام للقبضة الحديدية على البشر وتحويلهم من جمهورية التعددية السياسية إلى رهائن لديه بكثير من التهديد والوعيد وإطلاق النار بشكل عشوائي لخربشة الذاكرة من أجل ما يسمونه فرح بصحة الرئيس يصل الى مستوى همجي .
كأن هذا الوطن خلق من فوضى وهو يبحث عن السكينة والسلام ويستجدي الخارج قبل الداخل من أجل ألا تكون هناك معركة إضافية.
كأنه يسير إلى حيث الخراب القصدي الذي يداعب خيالات السلطوي، ويفتح نوافذ الرغبة مجسدة في قذيفة على منزل أوشك صاحبه على إتمامه، ليتحول إلى مبعثر في صورة عبثية ليس لها أي معنى سوى أنها في وطن ما يسمى الصالح.
على امتداد هذا الوطن قهر يجيء، وعويل نساء ،وصراخ أطفال، أينما يممت وجهك يقابلك جندي يحمل كلاشنكوف ومعدات إضافية من قنابل وأخرى لا نعرفها من أجهزة تلقي التعليمات أو (جندي) يتعالى صوته وينخفض وفقا لطقسه المرتب.
وإذاً وطني جراحات نازفة حكاية ألم، قصة قابلة لأن تكون دراما فجيعة بامتياز، فيما الجيران من أهلنا في الجزيرة والخليج يعدوننا بمستقبل أفضل وحل لآلامنا ..كأن هذا المستقبل هو أن نظل لاجئين إليهم في وطننا، وكأنهم لا يريدوننا أن نغرس فيه فسيلة حب، وثورة وأمل، وبيارق فرح ،وما يخلق حالة طمأنينة ولو بقليل من الوقت،.. والوقت لدى السلطوي قبض على جمر، بحثاً عن مكان ما يهز أركانه، فيما هو لدينا استغفار ودعاء أن لا تعرف القذيفة منزل واحد من أبناء الوطن.
بين السلطوي ونحن مسافات خيالية في التفكير والهوايات، تفكيرنا يتعلق بيوم يمر فيه المواطن بسلام إلى بيته .وتفكيره أين ينتج ألماً، ويصنع نقطة عسكرية إضافية ويحاصر حارة، وهو يتلذذ بالعبث بالكهرباء والمياه حد الانقطاع الذي لا نرى فيه حياة متواضعة وبسيطة، هي أقل حقوق لمواطن مظلوم تماماً .فيما هواياتنا أن نرى قمراً على السماء، يشع بنوره إلى غرفة نوم نقدر أن نبصر أنفسنا وأشيائنا من هذا الضوء بعد أن تعبنا انتظاراً لكهرباء لا تأتي في موعدها الغبي.
وإذاً فوطننا من سعال وحشرجات حناجر وصوت قذيفة ،وما يلقيه السلطوي على الجند من تعليمات صارمة في الضرب بيد من حديد على كل من يفكر في حرية ليوم واحد حتى، وكأن هذه الحرية المتواضعة هي العدو اللدود للنظام، فيما هي لدنيا بحث عن طريقة أفضل لإعادة الكهرباء ،وانعدام الطوابير الطويلة التي تنتظر بترولاً نفد عند مواطن طالما كان منتظماً طوال الليل للحصول على 20لترا ليفاجأ حال وصوله بكلمة انتهى البترول يا مواطن.
وهكذا كل ما هو حياتي انتهى، الوحيد الذي لا ينتهي الموت وآلته والذين لا يفقهون سوى لغة النزيف ولا يخافون يوماً تتقلب فيه الوجوه والأبصار.
وطن من نكد يطاول الجرح فيه قمة جبل نقم، هذا الجبل الذي لم يكن في يوم من الأيام إلا حانياَ بصنعاء وحارسها الأمين وطارد المغول الطامعين.
(نقم) الذي ألفناه وألِفنا، اليوم يهددنا في عقر دارنا، يرسل قذائفه وحممه على المواطن وهو يتناول لقيماته، فيصاب بالخرس أو الموت أو الذهول، نقم الذي شكل رمزاً للثورة ووقاية من شر عدو، اليوم خارج هذا المنطق يتصيد عشوائياً أي مواطن في أية لحظة.
معبأ هذا الجبل بكل ما يلهم السلطوي من نار وحقد وكراهية، معبأ آر بي جي وصواريخ لا نفقه تسميتها ومدافع وأموراً أخرى.
هل كان هذا الجبل سيكون إنسانياً مرة واحدة وثمة سلطة أرادته موقعاً يسيطر ويقبض ويهيمن.. إذاً والأرض والسماء والجبال على رؤوسنا .من أين لنا أن نستكين ولا سواك لنا في هذه المحن والأوقات العصيبة!؟، نبتهل إليك يا رب من سلطوي يتأبط شراً، وحاكم مده في جهله مدفع وجعل بلادي قابلة للاحتضار في أية لحظة.
هذه البلاد التي كانت لهم سمناً وعسلاً، يعصونها اليوم ويضمرون لها ما لا طاقة لها به.. ومن أين لنا أن نقول غداً سيكون أفضل ؟وثمة قذيفة تطلق من نقم على الطيبين في الأماكن العامة.
يا إلهي في كل أرض الوطن السيادة للمجنزرة وخوذة الجندي، فما عسانا نفعل لنتقي شر من أحسنا إليه!؟.
الله يا الله يا الله: كيف لهؤلاء كل هذه الرعونة وفائض الحقد الدموي من أجل كرسي آثم لتُكبل الطفولة كي لا تحلم والإنسان كي لا يغدوا ويروح من أجل قوته اليومي.
الله يا الله يا الله :هذه مجنزراتهم ،وهذا نحن أقوياء بك يا رب ،وهم ضعفاء بدباباتهم.. أنت وحدك من يقدر على إحالتهم من كبريائهم وغطرستهم إلى لا شيء ،ونحن أحرار في الوطن ننعم بهوائه وظله ونناجي نقم وشمسان وردفان .
هذا نحن يا الله :نفتح صدورنا عارية "سلمية.. سلمية"، فلا تدع قوماً أدمنوا استعجال الموت يرسلون نيرانهم علينا ليلحقوا الأذى بأحلامنا الطيبة، بك نستجير من شياطينهم ،ومن غفلة نظام يوشك أن يقبض على الزناد، فنتطاير.وهذا نحن يا الله: تقطعت بنا السبل وخذلنا الأشقاء والجوار قبل الأصدقاء من قول كلمة حق لإنقاذ الوطن و المواطن البريء ليداهنوا كما يشاءون النظام على حساب شعب ،ظانين به خيراً وعند الشعب كل الخير لو أنهم يفقهون قولاً ويقيمون علاقة صدق مع وطن بأسره بدلاً من حاكم نفذ رصيده الوطني، فلجأ إلى القتل بلا سبب وبلا رحمة ليظل على متن الكرسي المجنون، كرسي الحكم، هذا الذي يريد فصل الروح عن الجسد فينا ليحيلنا ليوم كريهة ونحن الودودون مع الواقع وأهله
ننادي بالضوء وقليل من الحب، ووردة صبح لو عثرنا عليها نكون أكثر سعادة، فيما هو السلطوي يفتح باباً لتاريخ أسود وحماقة جندي يحدث نفسه عن ضرورة الإحكام والتصويب على الهدف، ونحن الهدف، ووعن خطه للقنص غير البعيد على شوارد ذهنية تلمع لدى أستاذ ذاهب لامتحان تلاميذه..
كأن هذا الواقع السلطوي الصلب مركباً من معدن ينهار على ذكرياتنا وحياتنا القادمة ،ونحن نحتاج إلى مرحلة جديدة سلمية مطرزة بالحب والنقاء، نحتاج كي نحتاج، ونريد ما نريد ، حرية وحياة أفضل.. فلما السلطوي من كرسيه ينشدنا موتاً ،ويريدنا لديه مأسورين تماماً حتى لا نفكر إلا بابتهالات انجازاته ولا منجز سوى القمع من أن نكون أحراراً ولا منجز واحد يطيب لنا أن نستريح فيه وكل ما هو واضح وشفاف هذا القهر، هذا الانتهاء إلى ما لا نريد، هذا الاعتيادي موت ثم موت، فيه السلطوي يرتب يومه العسكري ويمنح نفسه وسام الاستحقاق من الدرجة التي يريد، لمجرد قدرته على قمع حديثنا..
كأن هذا الوطن فخ لنا، يأخذنا إلى قعر هاوية هذا السلطوي المدجج بالعتاد علينا وكثير من الأناشيد الموقرة له الداعية إلى أن نهدأ ونستكين ونؤمن به خارج حريتنا، هو الحرية إن أردنا، هو السلام أن نحن نريد الكهرباء، هو كل شيء ونحن لا شيء، هكذا يصدر عن إعلامه النزق المرابي الكاذب، يوسع أفق السلطوي، يمنحه القدرة ويزيدنا ظلماَ، ويستلبنا الحياة من أجل حياة الكرسي.. يريدنا أن نشرب القهوة المرة الوطنية على نشيد يجعله وطناً، ونحن مواطنون ،رعاياه أو قل سباياه ولا وطن سواه ولا نشيد غيره ولا فرح يمر إلا بعد أن يؤذن له إلى ذات المكان.. المكان المدجج بالرتب العسكرية وآلات القهر وسلطة الموت ونحن غرباء تماماً إلا من معارك وسفك دم حرام.. غرباء من لوحة حب، من ريشة فنان يرسم جدارية أنيقة، من زهرة بيضاء، من جدول ماء يتبرعم باتجاه بستان يبحث عن الارتواء، غرباء من أغانينا، من أحلامنا، من الضوء، من كل ما يجيء بالفرح ..ولسنا إذا سواه، هو القابض القاتل المانع المانح، ومن يعيد شحنة الكهرباء لساعتين يومياً ونظل نهتف بحياته وفي وسع الموت أن يكون موتاً ليحيا الزعيم المؤتمن، فيما نحن لا نقدر على شرب قهوتنا بهدوء ويسر ولا نعرف التجوال إلى شارع فيه مغسلة للثياب ولسنا إذاً نحن ولا يحزنون.
محمد اللوزي
وطن تتسيده المجنزرات وغابات البارود..؟! 2141