تقرر كلمات الله وآياته في القرآن الكريم واحدية هذه الأمة الموحِّدة، لأنها أمة التوحيد، يقول الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (92) سورة الأنبياء.. وقال الله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (52) سورة المؤمنون.
ويؤكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحدية هذه الأمة في تجسيد لا يمكن تجاوزه، فيمثله في واحدية الجسد الواحد، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه مسلم.
وتقرر كلمات الله وآياته في القرآن الكريم العلاقة الرابطة بين المؤمنين بأنها رابطة الأخوة، ويعلنها القرآن الكريم صريحة مدوية بالحصر والقصر، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (10) سورة الحجرات.
ويؤكد على الحفاظ عليها بالاعتصام بحبل الله وتذكر نعمة الأخوة والحذر من الفرقة، وأن الفرقة هي النار التي يصلى بها الجميع، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103) سورة آل عمران. فنسب أمرها إليه تعالى يقوله: {نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ }.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقوق هذه الأخوة وواجباتها، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: "كونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" رواه مسلم.
ويحذر من الاقتتال الداخلي، وتقاتل أعضاء الجسد الواحد، عن جرير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع: "استنصت الناس"، فقال: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" متفق عليه.
إن ما بناه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أضعناه، وما حدده في علاقاتنا نسيناه، وأصبحنا ضحايا للإعلام الفاسد، وللسياسة الفاسدة، أفقدتنا الإحساس بأخوتنا؛ فصرنا نتشرذم ونتفتت ونتنافس في تقديم خدماتنا للغريب، على حساب مصلحتنا الدينية والدنيوية، ونطيع الخلق ونعصي الخالق، وأدرنا ظهورنا للصواب، وألفنا الخطأ حتى صرنا ننفر من الصواب، ففي موضوع الأخوة الإيمانية التي هي جزء أصيل من ديننا وهويتنا صرنا مثلاً نرى اليمني شيء والخليجي شيء آخر، فلا يبالي أحدهما بمقتل الآخر وظلمه؛ لأن الإحساس بالأمة الواحدة خفت، أو كاد يضيع، نعم هناك من يتألم، ولكن ليس تألم الجسد الواحد، ولا إحساس الأمة الواحدة.
إن أكبر انتصار للاستعمار وأذنابه على أمتنا المسلمة هو زرع تبلد الشعور بأننا أمة واحدة، وأننا جسد واحد باعتبارنا مسلمين موحدين، وهذا الانتصار تجسد في صورة واقعية حين رسم لنا خطوطا على الخريطة وسماها حدوداً نقتتل عليها، ونفني بعضنا بعضاً دفاعاً عنها، مع يقيننا جميعاً أنها من وضع الاستعمار، وبسببها لا يغيث بعضنا بعضاً، بل لا يجد حرجاِ أن يتفرج عليه يقتل، وينظر إليه ينزف الدم من جسده، ثم يخلد هذا المسلم الذي يتفرج على أخيه المسلم إلى النوم وكأن شيئا لم يحدث، وماذا هناك أصلاً كل ما في الأمر أن مجموعة يمنيين قتلوا، أو مجاميع من السوريين أزهقت أرواحهم، أو قصف عنيف على مصراته، أو درعا لا تجد ماء تشربه، أو تعز تعاني من المحرقة، ماذا هنالك؟
وآ أسفاه.. ماذا جرى لنا؟ وأي سوء أصابنا؟ حتى صرنا لا يحس بعضنا ببعض، ولا يبالي بعضنا ببعض، وأيادي المجرمين تقتل وتعربد وتعيث في الأرض فساداً، إن الإنسان ليصاب بالدوار والفزع وهو يرى تبلد الأمة المسلمة تجاه بعضها بعضاً، كيف تبلدت مشاعرنا، برغم أننا جميعاً نصلى نفس الصلوات، ونقرأ نفس الآيات، ونردد نفس الأدعية والأذكار، ونحمل نفس الأسماء، فلماذا لا يبالي بعضنا ببعض.
إن المأساة تصل ذروتها حين يصمت العلماء عما يدور من جرائم القتل، والعدوان، قال الله تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (187) سورة آل عمران، إن واجب العلماء الشرعي هو حمل الأمانة وأداؤها إلى أهلها؛ لأنهم ورثة الأنبياء، قال الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (44) سورة النحل.. إن صمت العلماء جريمة وهم يعلمون ذلك، ومتأكدون منه، ويعلمون أيضاً أن تأخير البيان عن وقته محرم، وأن العلم الشرعي ليس أداة في يد السياسة إذا كانت السياسة، تحرم شيئاً أفتى العلم الشرعي وأهله بتحريمه، وإذا تغاضت السياسة عن شيء تغاضى أصحاب العلم الشرعي عنه، ما هذا أخذ الله العهد على العلماء، قتل اليمنيين أهم بكثير من الاجتهاد في فتاوى منع النساء من قيادة السيارة، فقد كانت النساء تركب الخيل والإبل والبغال والحمير على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ليت شعري ماذا سيكون عليه حال الفتاوى وحال المفتين حين تقرر السياسة السماح بقيادة النساء للسيارات.
وهنا أسأل نفسي وأسألكم أيها القراء الكرام: هل علماء الخليج راضون عن موقفهم حيال اليمن، وهم يرون بعض حكوماتهم ترضى أن يقتل شعب بأكمله حتى ترضي غرور فرد واحد بعض الساسة راضون عنه؟ أنا لا أعرف موقف أولئك العلماء بالضبط، لكن الذي معه تلفون أحدهم فليسأله.
،،،،،،،
د. محمد عبدالله الحاوري
إنما المؤمنون إخوة 2822