مرت الثورة الشبابية الشعبية اليمنية منذ انطلاقتها بمنعطفين مهمين الأول: بمجزرة جمعة الكرامة التي مثلت انعطافة مهمة في مسار الثورة الشبابية، المجزرة التي هزت الشارع اليمني وقلبت موازين القوى بانضمام شخصيات كانت أهم دعائم نظام علي صالح، لكن وللحقيقة أسيئ استغلال هذه الفرصة، حينها فقط أجاد النظام وببراعة جر الخليج إلى مربع الوساطات والمبادرات ومن ثم جر قوى المعارضة إلى طاولة المراوغة لتدخل الثورة في استرخاء أضر بألقها وقلل من فرص حسم تحقيق أهدافها ليراوح المشهد السياسي مكانة ويبدأ سيناريو العنف الذي طال المتظاهرين المسالمين وكل من أعلن تأييده للثورة.
فبينما كان العالم يراقب بحذر الأحداث الدامية في حي الحصبة كان النظام يعد المجزرة الأفضع باقتحام ساحة الحرية بتعز، المحرقة التي لم تلق من الإدانة الدولية وحتى الشجب المحلي ما تستحقه، فمنذ الاعتداء على منزل الشيخ الأحمر استطاع النظام صرف النظر عما يدرو في الساحات بما صوره على أنه نزاع بين آل الأحمر والحال على ما هو عليه وربما كان سيسوء وخصوصاً حينما استطاعات أجهزة الأمن اقتحام أو بالمعنى الأصح إخلاء ساحة الحرية بتعز ولولا وقوع تلك الأحداث في دار الرئاسة لكان أعيد سيناريو اقتحام ساحة الحرية بساحات أخرى ليأتي اقتحام ساحة التغيير بصنعاء تتويجاً لمسلسل العنف الذي كان سيأكل الأخضر واليابس في اليمن.
لكن تلك الحادثة والتي على إثرها خرج علي صالح من البلاد أربكت المشهد السياسي وخلطت الأوارق ومثلت المنعطف الثاني في مسار الثورة لا يمكن مقارنتها بما حدث بعد جمعة الكرامة على الإطلاق حينما كانت الثورة في أوج قوتها وانتصاراتها.
والمفارقة أن السفير الأميركي هو اليوم من يحاور ويبادر ويضغط بطريقة أو أخرى فهاهو يتجول بما يحاول فرضه على أنه ملف أزمة اليمن وسط مشهد سياسي تهيمن عليه الضبابية والغموض ويبدو أن خروج علي صالح بهذه الطريقة ومن ثم نقله للسعودية وسط تكتم شديد عن حالته الصحية قد أحدث إرباكاً لقوى المعارضة وفق عنصر المفأجاة والخوف من الآتي "المجهول" ولما ترسله أميركا وبعض دول الخليج للمعارضة من إشارات تخويفية من مغبة أي تصرف إنفرادي دون الرجوع إليهم.
وضع المعارضة لا يحسد عليه، فلا هي قادرة على ترك القرار للشارع والانسحاب من المشهد السياسي على الأقل كمحاورين وحيدين لقوى الخارج ولا هي قادرة على الامتثال لما تمليه تلك القوى لأنها تدرك أن التكتم عن الحالة الصحية لعلي صالح، إنما هي محاولة لترتبت البيت السياسي الداخلي لليمن حسبما تمليه مصالح بعض الدول، المصالح التي تحاول أمريكا فرضها كإرادة تعلو على إرادة التغيير، المصالح التي تحاول أن تلتف على الثورة، ألم تكن تود وأدها فماذا تنتظر المعارضة؟! ألم تستفد بعد من الدروس التي تلقتها خلال الثورة؟!
الشباب يدرك مسؤوليته الوطنية وأنه اليوم من يرسم ملامح يمن جديد الذي ينبغي ألا يكون أقطاعية لدولة أو قاعدة عسكرية لأخرى.
فلا ينبغي الحديث بتاتاً عن إحياء مبادرة نثر عليها التراب أو عن أية مبادرات خارجية هدفها تسوية سياسية تعمل على تخدير الوضع الراهن ولا تمثل حلاً جذرياً له، ولا يمكن الحديث عن عبده ربه منصور هادي رئيساً للبلاد في ظل أسرة علي صالح وآخرين ممن تبقى من نظام علي صالح قائمين على الجهاز العسكري ومفاصل الدولة، فالثورة قامت لإسقاط النظام بكل رموزه ولم يكن علي صالح كل النظام وليس إقصاؤه منفرداً عن المشهد السياسي إسقاط للنظام.
يجب أولاً التخلص من جميع رموز النظام ومن ثبت تورطهم في أعمال العنف والإخلال بالأمن والسكنية العامة أن يقدموا لمحاكمة عادلة، أما أن يكون عبد ربه هادي عضواً من أعضاء مجلس انتقالي تتوافق عليه جميع القوى الوطنية وفي مقدمتهم الشباب، فهذا قوبل ليتم بعد ذلك الحديث عن كيفية إسقاط في رموز النظام والعمل على بدء مرحلة انتقالية.
فالشباب في الساحات لا يمكن أن يقفوا وحيدين أمام تلك التدخلات ولا يمكن تحقيق أهداف الثورة على الوجه الأصلح لليمن إلا إذا توحدت قوى المعارضة الدولة مع إرادة الشباب ولاتلفت للضغوط الخارجية وستنتصر إرادة الشعب النهاية وستأتي هذه فيما بعد لتقول إنها كانت داعمة لهذا الانتصار وأما أن ترضخ لتلك الضغوط وتترك الشباب وتضعف ثورتهم وتضيع في مساومات الخارج لتحاول فيما بعد الحصول على الحد الأدنى من أهداف الثورة لكن لا أظن أن الشباب سيستسلمون بهذه السهولة وستصبح عندها المعارضة جزءاً من ا لنظام التي تعمل الثورة على إسقاطه.
بشرى عبدالله
في حضرة الثورة 2151