قد تشكل اليمن حالة فريدة في أحداثها سواءً في الثورة أو نظام الحكم أو المتغيرات والتغيير أو تسارع الأحداث وتقلباتها وسرعة تحولها وقد تتحقق الأحلام ربما بنفس التفرد والسرعة والإيجابية رغم قتامة الصورة المشاهدة وتداخلات وعوامل، صنعتها أيادٍ استفادت من الوضع الفاسد المشين، بذلت جهدها في إخراجها إلى حيز الواقع حتى تظل بعبعاً ترعب الناس وترهبهم كلما طالبوا بإصلاح أو تغيير وضع أو محاربة فساد.
وهو ذلك الفيلم الذي أخرجه النظام وبذل جهده في إخراجه عندما عجز عن النهوض الحضاري بالوطن والذهاب به نحو المدنية والحكم المدني والمؤسسات والحكم المؤسسي، وركن إلى ما أخرجه ظاناً أن الوضع سيستمر على هذا المنوال، متناسياً أن دوام الحال من المحال، وكذلك تناسى أن الظلم مرتع عواقبه وخيمة..وأكثر ما تناساه النظام هو الشعب أو الغالبية العظمى منه التي تعيش التهميش وتقاسي الظروف والأزمات في مختلف جوانب الحياة، عندما لم يلق لهذه الغالبية بالاً بل ظل يسير بها ويقودها من أزمة إلى أزمة ومن حدث إلى حدث وفق فلسفة الرقص على رؤوس الثعابين التي تعني التعامل مع أعداء غاية في الشراسة والسمية يتطلب التعامل معها بالمكر والحيلة والضربات القاضية..
لم يتم الالتفات إلى إرادة الشعب والنظر إليها من منظور إيجابي وإدراك أنها حقوق مكتسبة يجب أن تؤدى له لن يسكت عنها الوطن أبد الدهر ولن تنطلي عليه الحيل وإن انطلت عليه خدعة أو كذبة فإنه قد يتنبه للأخرى..وهو ما يترجمه الواقع في انتفاضة الشعب الثورية التي تجاوزت الأربعة أشهر دون أن تصاب بالكلل والملل واستعداد وإصرار على المواصلة حتى لو طال أمد ثورتهم طول عمر النظام الذي دفعهم للخروج بحثاً عن دولة ونظام مفقودين في سراديب صنعها أساطين الفساد بإتقان، فلم يبقوا منها إلا أطلال الدولة وبناياتها الخربة وبقية مسميات هيكلية تشبه ما لدى العالم شكلاً لا مضموناً بصورة ديكور يخفي وراء وجهه المزركش خواءً وخراباً بلا حدود...
هو ذاك ما أخرج الناس للساحات والشوارع ما يسمى بالدولة التي تنعيها المنظمات الدولية مطلقة عليها إسم الدولة الفاشلة رغم أن النعي جاء متأخراً لأن الدولة فاشلة من زمن طويل كانت بداياته بالتقاسمات الحزبية وتقاسمات المناصب والمؤسسات حيث أصبح كل شيء خاضع لمسمى التقاسم والتوزيع أو انتهت من لحظتها الدولة بمعناها السيادي المسيطر على ثروات البلاد والدخل القومي وحظيت الدولة بالنصيب القليل من التقاسم كطرف كان دخله أقل من دخل بعض الأفراد والشخصيات، لأن ما كان يور كنصيب الدولة يتم أخذه من باب آخر لإدارة مشاريع فاشلة ضمن إستراتيجية التقاسم والفيد والغنائم التي حلت محل إستراتيجية الدولة.
كانت الدولة فاشلة لحظة خضوعها للقبيلة وتحكيمها في قضايا أمنية واقتصادية وجنائية بدل إخضاع القبيلة للقانون وفرض احترامه وتعميمه بأي ثمن.
كانت الدولة فاشلة عندما سلمت المؤسسات لأشخاص يتصرفون فيها بكل حرية سرقاً ونهباً وفساداً دون حساب أو عقاب أو حتى لفت نظر وإنما يتم تكريم الفسدة والفاشلين بمنحهم مناصب أرفع ومؤسسات أهم..ولهذا فالتغيير أصبح ضرورة لا يقل عن الفرض والواجب وأقرب إلى فرض العين منه إلى فرض الكفاية.
علي الربيعي
حتمية التغيير واقع لا تنظير 2104