منذ أن انصدمت بشخصية صالح الحقيقية بعد أن نُزع عن وجهه ذلك القناع الذي كان يرتديه كلما خاطب شعبه، قناع الوطنية والانتماء وأيها الشعب العظيم الذي لم يحترم عظمة إرادتهم، بل استخدم أشد الوسائل القمعية لإبادتهم، فلم يعد باستطاعتي أن أتوقع تصرفاً معيناً منه أو أن أجزم بقولي بأن صالح لن يعود لأنه لا يريد للوطن مزيداً من الخراب والدمار.
ربما كان هذا بمقدوري قبل أن تتجلى أمام الملا حقيقة شخصية صالح التي تتسم بالمراوغة والكذب التي تجعل من التناقض سمة بارزة في تصرفاته، ولكن مؤخراً بعد أن استقر حديث الثورة وحوارها عند هذه النقطة، حاولت أن أستعيد ثقتي بهذا الرجل ولو لفترة بسيطة، لعلي خلالها أستطيع أن أرد على أي نقاش أو حوار يبتدئ باستفهام بارز مضمونه: هل سيعود صالح؟.
لن نعود إلى الوراء كثيراً، وإنما سنحاول أن نسترجع ما صرحت به بعض وسائل الإعلام قبل الحادثة التي تشوبها الغموض وحصلت بدار الرئاسة بأن صالح مستعد أن يوقع على المبادرة الخليجية ولو أنه لم يُعلن بالصريح متى سيتم التوقيع، لكن حسب ما كان يقال بأنه سيتم التواصل مع دول مجلس التعاون الخليجي للتنسيق معهم.
المهم بأن هذا التصرف -إن كان جاداً ولا يشبه تناقضاته السابقة التي كان يستخدمها صالح كمهدئات للتخلص من صداع الثورة، فإنها تعتبر خطوة إنقاذ تحتاج أن تكون نظرتنا لها عقلانية بعيداً عن العناد والعواطف، لأنها ستجنب البلاد مصائب عظيمة وفوضى ودماراً وحروب طبعاً، هذا حسب ما قلت إذا كان صادقاً.
عندما أعلن عن رغبته هذه يعني أنها لم تكن قراراً من أجل أن يكسب مزيداً من الوقت، ليعد العدة ويجهز نفسه لخوض معركة مع شعبه، ليحارب فيها إرادتهم ويقمع حريتهم.
دعونا نتفاءل بالخير لنجده، سنقول بأن صالح كان جاداً، لأنه بلحظة استعاد عقله المغيب وصحا ضميره النائم وتجلت الحكمة اليمانية أمامه بلحظة غياب الوسواس الخناس (المستشارين) وقرر أن ينقذ الوطن من الغرق في مزيد من الدماء، لنستطيع وفقاً لهذا الموقف أن نقول بأن صالح لن يعود وسيوقع على المبادرة في الرياض وإن قرر العودة إلى الوطن سيعود بصفته مواطناً لا يستطيع شعبه بحكم الشهامة والكرم أن يسلبه حقوق المواطنة ولن يعود بصفة سياسية باعتباره رئيساً فاقد الشرعية الدستورية.
طبعاً أعلم بأن الثوار لا يؤمنون بوجود المبادرة ويعتبرونها كأن لم تكن، ولكن أعتقد بأننا بحاجة إلى أن نشعر بالمسؤولية تجاه الوطن، لا أن نجعل مصيره مرتبطاً بفكر أشخاص قد تكون مصالحهم ضيقة، عاجزة أن تقف بشموخ أمام عظمة وطن يحتضن شعباً أكبر من خصوصية مصالحهم.
فالأزمة التي نعيشها تحتم علينا أن نفكر بحلول ترضي الوطن أولاً قبل أن ترضي أنفسنا التي تدفعنا دائماً نحو الفكر الضيق، الذي يجعلنا نحصر مصير الوطن في زاوية مظلمة تحكمها الأنا، فالثورة تعتبر ناجحة وإرادة الشعب منتصرة في جميع الأحوال، ولكن نحن الآن بحاجة إلى أن نجعل عقولنا تنبض بالحكمة من أجل أن نجنب البلاد مزيداً من الفتن، هذا يعتبر تتويجاً لنجاح الثورة العظيمة التي أنجبت رجالاً شامخين بوطنيتهم ونساء راسخات بعزيمتهن.
* بقايا حبر:
يغتال القلق أفكاري.. فلم يعد بمقدوري أن أرتب أبيات شعري التي لم يكن لها وجود لولا أنها نُظمت لعشق وطني.. سأكتفي بالدعاء وسأجعل التفاؤل يزور أحلامي.
نعائم شائف عون الخليدي
هل سيعود صالح؟! 2196