لم تعد هناك جهات ذات اعتبار داخل اليمن أو خارجها ترى في عودة صالح من رحلته الاضطرارية مصلحة وطنية أو أنها ستعود بالنفع لأحد من هذه الأطراف أو ستعزز الأمن والاستقرار لهذا البلد الغير مستقر أصلاً..
عديدة تلك الأطراف التي سعت جاهدة لإخراج صالح وإجباره على التنحي، فهناك في الداخل معظم قبائل اليمن والمعارضة وغالبية الشعب وجزء كبير من الجيش بل وتتعدى ذلك إلى أطراف كثيرة من النظام لاسيما الجناح المسؤول عن تفجيرات النهدين، إن صح الظن بأن ما حدث كان مؤامرة داخليه إضافة إلى جزء كبير من المؤتمريين الذين يعرفون أي منحى سيسلكه صالح لو عاد، أضف إلى ذلك الأطراف الخارجية من دول ومنظمات كأميركا والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، كل هؤلاء يعرفون تماماً أن صالح لو عاد فإنه لن يرم اليمنيين بالورود، ولن يستقبله مناوئوه أيضا بالورود وهم يدركون تماماً كيف ستؤول الأوضاع.
اليوم تستطيع أن تجزم أن الجميع يجمعون على ضرورة بقائه في الرياض وأن فترة نقاهته لابد أن تطول، اليوم صالح لم يعد يهدد أحداً داخلياً أو خارجياً، أفلتت قبضته الحديدية التي لطالما أمسكت بزمام دولة ومؤسسات وجيش ووحدات عسكرية تهز البلاد طولاً وعرضاً وآلت به الأحوال إلى غرفة يحرسها طاقم تعود إمرته للديوان الملكي الذي سعى لتنحيته وسيسعى لبقائه هناك لمصلحة وطنية سعودية و يمنية، ثم استجابة لضغوط غربية باتت معلنة، فالمملكة تعاني كثيراً من حدودها شمالاً مع دولة غير مستقرة أمنياً وهي العراق وغير مستعدة البتة لتعريض حدودها الجنوبية لما هو أتعس من ذلك.
صالح لم يذهب للرياض إلا لأمرين، الأول: ليتلقى رعاية طبية مناسبة لحالته الحرجة والأمر الثاني: ليوقع المبادرة و يبقى هناك.. صالح لم يذهب ليعود..
الأوضاع في اليمن تحسنت أمنياً نوعاً ما وزالت كثير من التوترات السياسية والحزبية والقبلية وتوقفت حرب الحصبة التي كانت توشك على تفجير حرب عامة وشاملة تعم البلاد..
فهل ستستمر هذه الأوضاع بالتحسن وهل سينجح نائب الرئيس في الإبحار بالسفينة نحو بر الأمان، فالرجل محل إجماع لكثير من الفرقاء في اليمن ويحمل فكراً وطنياً وسياسي من الدرجة الأولى وعقلية عسكرية لا يشق لها غبار وقد نجح في مهمته الأولى من تهدئة الأجواء في الحصبة بمساعي سعودية.. فهل يستطيع تنفيذ المرحلة الأصعب في إعاده هيكلة الجيش ومنع أي مساع للسيطرة والانقلاب بدواعي انتقامية أم أن من يدير الحكم هو نجل الرئيس أحمد..
أحمد علي عبدالله صالح المعادلة الغامضة والحلقة المفقودة في الساحة، أين هو فعلاً؟ وماذا ينوي فعله؟ وماذا يخبئ في جعبته لهذا البلد الذي اشتاق للأمن والأمان؟ هل يفكر في الانتقام أم في انقلاب عسكري وهل الأيام الهادئة التي مضت مقدمة لعاصفة ستأتي أم أنها تؤكد لنا أن خيانة داخلية حصلت وأن حجمها أكبر من وريث صالح الأكبر وتبين الضعف الذي ألم به لما تم من انضمام عدد من ألويته للثورة ومحاصرة البعض الآخر وهذا الضعف الذي أصابه قد يعطينا إجابة شافية عن مدعاة مغادرة عائلة صالح كاملة معه إلى الرياض وتكشف حقيقة الخطورة الأمنية التي ستواجهها إن بقت وإنه أي نجل صالح لم يعد قادراً على توفير الحماية لها.
هل عبد ربه منصور هادي سيغلب مصلحة الوطن ويدير البلاد نحو الأمان وانتقال سلمي للسلطة أم أنه سيركب هواه وينتظر عودة صالح ليعود لعمله السابق في افتتاح المشاريع ووضع أحجار الأساس..
ولا خوف من ذلك فهناك رقم صعب في المعادلة ولاعب رئيسي يستطيع تسيير الأمور كما يريد وهو الفعل الثوري المتمثل في شباب الثورة في الساحات فلن يؤولوا جهداً في الحفاظ على ثورتهم وإكمالها، فالشعب الثائر أقسم قسماً ألا يعود إلا إلى يمن جديد ودولة مدنية الحكم فيها للشعب بلا وصاية من أحد أياً كان..
وهل مغادرة صالح إلى السعودية ستكون فعلاً نهائية وأن الثورة حققت مطلبها الأول في رحيله
أم أن الرجل سيعود كما يروج له أعضاء حزبه وهل سيعود صالح ليتمسك بالحكم مجدداً، أم أنه سيعود لتسليمه، يبدو أن الكثيرين يدركون أنه إن عاد لن يهتم للرحيل أو البقاء بل سيعود لينتقم فقط وهل سينتقم من آل الأحمر أم من الذين خانوه أم من شباب الثورة السلمية أم من الشعب اليمني برمته.
أظن أن المجتمع الدولي سيخطئ أيما خطأ لو سمح بعودته وأن من سيسمح في ذلك إنما سمح للدماء اليمنية أن تسفك بلا رحمة.
وأن المجتمع الدولي سيشارك في انفجار اليمن الانفجار الذي لن تسلم من شضاياه دول أوروبا وأميركا فضلاً عن الخليج.
تساؤلات كثيرة تملأ أوقات الجميع هذه الأيام، تساؤلات غامضة غموض ما حصل ولن تكشف عن فحواها الأيام دفعة واحدة وأظن أن الكثير من أسرارها ستظل طي الكتمان ولن يستطيع تناولها من سيكتب تاريخ هده الحقبة الزمنية..
Groo7i@hotmail.com
د.محمد عبد الرحيم الشلفي
تذكرة ذهاب فقط 1988