" نحن الصحافيون جميعنا في اليمن في طابور الموت، مرفوعة عنا الحماية القانونية، وليس لدينا الوسيلة القانونية وهي الوسيلة الغائبة".. الشهيد أ.د. عبدالعزيز السقاف
* نحن لا نملك مدفعاً رشاشاً، لا نقود خلفنا كتائب حماية، لا نندس خلف مقود سيارة مصفحة أو حتى "جاري جمل"، فمن وجد في نفسه شيئاً من هوس الخطف و"اللبج" والقتل، فليكن على موعد معنا في الهواء الطلق، بين فقراء وبسطاء الناس، حفاة الأرض، في زقاق مزدحم بالصفيح والطفح والأطفال العراة.
* نحن الصحافيون لا نملك في هذه الأرض ما يؤرق مضاجعنا أو ينصب الأسوار ويشيّد الحواجز بين حياتنا المؤجلة وموتنا الراهن المرتقب، عدا أنات وآهات ومواجع فقراء الوطن ووطن يُلتهم، يُصادر، يُستباح ويسلب، وحقوق تزدرد دفعة واحدة، وحرية تكبت وتقمع.
هذه وغيرها الكثير هي ما يؤرق مضاجعنا، فتعالوا خفافاً أيها القتلة، اطلقوا هراواتكم، افتحوا زنازنكم، أقيموا محاكمكم الصورية، اصدروا أحكامكم الجائرة المعدة سلفاً، صادروا الأقلام والأوراق، كمموا الأفواه، حاصروا، راقبوا الضمائر والأفكار في الصدور والجماجم، صوبوا فوهات بنادقكم، بعثروا دمنا، بلا وجل، بلا مخططات سرية، أو خشية قانون وعدل قضاء!.. ودون خوف من خالق أو وازع من ضمير.
* هذا دمنا، يتسكع في أرصفة الدولة الفانية، هذا دمنا، أشلاؤنا الململمة إلى حين، المبعثرة في كل حين، في كل فخذ وبطن، في كل سلطة وخلية ومخفر ونقطة تفتيش.. هاكم دمنا، فاشربوه حتى الثمالة، وزعوه بين القبائل والمنابر والمقابر، إنا نذر للنحر على شواهد وشواء أعداء الحرية والحياة، أجساد مسجاة في العراء، قتلى كواتم بصوت وصحف صامتة، صفراء، وأقلام منكسرة وصحافيو الحكم وقانون بلا ظلف حماية.
* هاكم دمنا، تشمموه كالقطعان واقتفوا خطاه، من سلّم الدار، وحتى مبنى الصحيفة وطاولة الكتابة، من طقوس الولادة وحتى مواسم القطاف، تعالوا أيها القتلة، فعلى خناجركم وحوافركم وفحيح دواخلكم الشريرة نكتسب الشهادة، تتعمد بألق البقاء.
* تعالوا خفافاً أيها القتلة، فهذا دمنا يستحث فيكم شهوة القتل.. يستمطر لكم اللعنات وخلود الإدانة، هذا دمنا قد رفعت عنه صكوك الحصانة، وهذا دمنا على مشانق الليل ينتظر لحظات اختراق خرطوشة كلاشنكوف، لغم فتوى، خطبة استباحة، تُهم معلبة.
هذا دمنا فانوس يثقب عتمة جباهكم، يقيم في لفات زواياها شمعة نور، فمتى تأتون أيها القتلة للنحر، لاقتسام ثروة العقل، الصدر، درر القلب.. تقطفون رأساً تتزاحم فيه تعاليم المحبة، وأفكار وآمال وتطلعات للخلاص من هذا التابوت، القبر، متى تأتون لتنشروا عظمنا الفضي سارية علم ونشيداً يقض أوكار الطغاة، انشروا دمنا أغنية شوق ولقيا، قصيدة بوح وشجن.
هذا دمنا اسفكوه علنا نومض في الظلمة، نبرق في السديم، نضيء لترون أيها القتلة كم هي بشعة أصابعكم كم هي مدماة خناجركم، كم هي آثمة أسنتكم الدامية، كم هي سامية، عظيمة أقلامنا.
* إنا قادمون.. إنا قادمون.. أيها الأحباب، الشهداء، لنعلمكم أن دمنا هذا أنار الدروب، تحدى الخطوب، وهجس للصباح ملء الفؤاد.
* تعالوا أيها القتلة.. فإنا شهداء في طابور أعراس الموت وعلى محطة الانتظار.
alhaimdi@gmail.com
محمد الحيمدي
إننا شُهداء.. إلى روح زميل الحرف والشهادة الشهيد جمال الشرعبي 2157