من قلب ثورة الشباب الشعبية السلمية ضد النظام، هناك الكثير والكثير من المشاهد والدروس والعبر المستقاة التي لا تحصى ولا تعد، وقد يقف القلم عاجزاً عن رصدها وتسيطرها بهذه العجلة وبهذا الحيز، فإن ما أرده هنا هو غيض من فيض هذه المشاهد.. الدروس والعبر.
فقد شهدنا منشآت الفساد تتهاوى فوق رؤوس المساقين إلى مهرجانات الزيف والموت التي جندت لاغتيال أحلام الشعب في التغيير، فكان أن حصدت المئات من الضحايا، ولم يرق لنظام الفساد جفن وكيف لا وكل ما يفاخر به أنشطة ومنجزات!! معمدة بالدم، كرسي معمد بالدم، وحدة معمدة بالدم، ديمقراطية معمدة بالدم، انتخابات معمدة بالدم وووإلخ، هذه المعزوفات الدموية لنظام عاش بالدم ويصر على استكمال المشوار بالدم.
وشهدنا الإعلام الرسمي يفلت من عقاله كبقية الكائنات البشرية "البلطجية" الذين قذفت بهم أجهزة وقوات النظام الخاصة إلى الأسواق والطرقات والشوارع وساحات التغيير ليلعبوا دور المجانين ومصاصي الدماء والقتلة المقنعين.
وشهدنا مثقفاً وسياسياً يدعى أن كل رصيده هو الديمقراطية الليبرالية يتهم الشعب وشباب الثورة ومؤيدي وداعمي الثورة والمنضمين إليها بالخيانة والتأمر والانقلاب والشرذمة وو، لأنهم صدقوا أنفسهم واتخذوا قراراً بالثورة.. بالتغيير.. وإسقاط "الزعيم" الذي لا يجوز تغييره أو حتى منافسته على الحكم.
ولكننا أيضاً شهدنا ملايين الناس، رجالاً ونساءً وشباباً وكهولاً وأطفالاً وصحافيين وكتاباً وفنانين وشعراء ورسامين وسياسيين وأكاديميين..إلخ، يمزقون حاجز الخوف ويتدفقون إلى ساحات الحرية والتغيير حيث تتعانق المعاناة والأحلام معاني مسيرة تستطلع المستقبل بكل ما يحمله من آمال للخروج من نفق الاستبداد والفساد والحكم الفردي السرمدي والفوضى إلى طريق يعاد فيه ترتيب قواعد وشروط المواطنة والتشارك وبناء الوطن ليعم خيره على الجميع لا على قلة ممن سخروا اليمن لهم ولأبنائهم وشلة من المتنفذين والنفعيين.
والأجمل والأروع أننا شهدنا الناس وتحديداً الشباب ولأول مرة من نوعها في تاريخ اليمن يتحملون مسؤولية صياغة وتقرير مستقبلهم بصورة مباشرة دون أن يتولى ذلك نيابة عنهم أحد ما، سواء كان نخبة سياسية أو عسكرية، أو طلائع ثورية أو قائد همام أو زعيم ملهم.
شهدنا يقينية وبديهية مقولة المفكر والشاعر العظيم المرحوم/ عبدالله البردوني القائلة: "إن الجماهير هي القوة الغالبة دائماً، وإرادتها هي الأقوى من كل قوة، وهي فلسفة القيادة وقانون الحكم".
محمد الحيمدي
مشاهد من قلب الثورة 1659