أصبحت أثق بمقدرة الشباب على التحدث والظهور أمام وسائل الإعلام لكي يشيرون إلى حتمية وضع خيار المجلس الانتقالي كأحد أهم الخيارات المناسبة.
وحسب ما يرى الكثير، فإن الظروف الحاصلة تستدعي ذلك، فالمجلس الانتقالي هو قائم على طبيعة الواقع الذي تعيشه البلاد، لكن هذا يحتم أيضاً على الشباب القبول بفترة وجود القائم بأعمال الرئيس لفترة معينة لترتيب الأوراق والقضاء على بعض الصعوبات ولا يجب اتهام أي طرف لمجرد وجوده في محيط الرئيس، بل يجب الإصرار على ضرورة أن يكون المجلس الانتقالي هو محل إجماع الكل والابتعاد عن الأخطاء التي جاءت كردة فعل على سلوك النظام العنيف والذي أثر على وضع الثورة وجعل البعض يرى إليها على أنها لم تكن سليمة، خاصة بعد أن تعرضت بعض المؤسسات للسرقة من قبل بلاطجة وجهات – كما يشير البعض – تتبع قوى أمنية، خاصة في تعز
فأي تفكير نحو تحقيق مجلس انتقالي يجب أن يتم وفق جدول زمني، كما أن الشخصيات التي ستكون ضمن القائمة يجب أن تكون معروفة بدورها الواضح البعيد عن الولاء الحزبي ولديها قدرة على القيام بعملها بكامل الصلاحية، بحيث يتم خروج الجنين سليماً من كل التشوهات التي قد تصيب مسيرة العمل السياسي والاقتصادي في بلادنا ما بعد إكمال هذا المجلس لفترته
ويعتقد الكثير من الشباب أن تحقيق المجلس الانتقالي هو اعتراف بنجاح الثورة وضمان لتشكيل نخبة من المختصين في معاينة كل المسارات التي يمكن أن تضع خيار وضع الدستور في قالب مستقل دون أن تؤثر عليه أي جهة وهناك خوف يتسرب في نفسية الشباب من الهجمات المضادة التي تحاول عرقلة الانتقال إلى خيار الدولة المدنية، خاصة في ظل التباينات من حيث مدى أهمية هذه الدولة لجهات ظلت تجد نفعها في ظل العشوائية وغياب القانون
لقد كان للشباب ممارسة حقيقية على أرض الواقع في دراسة التحديات التي يمكن أن تنشأ بعد رحيل صالح، لهذا كان اختيار المجلس الانتقالي شيء يمكن أن يدفع بالحياة بمختلف مجالاتها إلى الأمام، خاصة لو تم إزالة الأطراف التي تعمل دائما على تضييق الخيارات وتفكر في وضع المساومات وتتركز أهمية المجلس في كونه سيعمل على تحقيق قدراً كبيراً من التوازن للعمل السياسي والاقتصادي وستكون جل اهتماماته مركزة على الداخل، أما المسائل السيادية، فهي ستؤخر إلى ما بعد الانتخابات التي ستعطي الحق لأي حكومة ممارسة عملها وفق الدستور الذي سيكون واضحاً وشفافاً في التعبير عن الدولة المدنية وتحقيق استقلالية المؤسسات وتوحيد الجيش، بعيداً عن الحسابات الأسرية
وتكمن درجة القوة في اختيار هذا المجلس في كونه سيقضي على مخلفات النظام وهذه المخلفات ظلت تنسج خيوطها ما قبل الثورة وتوزعت في مراكز كثيرة وتدخل المال والقبيلة فيها وسيعمل المجلس على إغلاق الأبواب أمام الصراعات التي يمكن أن تنشأ في حال ما بقيت المسببات التي تقف ورآه أطراف متعددة تحاول الآن أن تشكل ملامح الفترة التي أعقبت رحيل النظام بما يتناسب مع طموحها السياسي والمادي.
والشيء المهم الأخر هو أن يخلو هذا المجلس من القيادات الحزبية التي ستفكر في وضع إملاءات تتناسب مع أهدافها ويجب أن تحترم الأحزاب خيار الثوار في تشكيل المجلس، لأن مشاركة القوى الحزبية في هذا المجلس يعني أن المرحلة الانتقالية ستكون مرقعة بطموح تلك الأحزاب في التصارع في الحصول على مراكز متقدمة لما يمكن أن تفرز به الانتخابات التي ستعمل على تشكيل ملامح الدولة المدنية واحترام الأحزاب لهذا المجلس يتناسب بما تتطلبه الظروف التي تمر بها البلاد والتي يستوجب أن لا تتدخل أي جهة في وضع شكل الدستور بما ترغب به في فترات مقبلة وهذا قد يجعل الدستور شكلاً مليئاً بالعقبات التي قد تجعل خيار تحقيق الدولة المدنية فيه شيء من الصعوبة وتبدأ ربما بعدها مرحلة الدخول في أتون مشكلة أخرى في ظل محاولات من أطراف أخرى قد تنظر إلى الدولة المدنية من منظور ضيق وتحاول تغير شكل الدستور بما تمليه مصالحها ولهذا فإن استقلالية المجلس والشخصيات فيه سيكون بمثابة البداية في تحديد طبيعة المهام التي يجب على أي حكومة منتخبة القيام بها
لقد ترك النظام مرحلة في غاية الصعوبة عندما تعامل مع كل القضايا كما لو أنها شخصية واتخاذه للقرارات الغير مدروسة وعرض الداخل للعديد من الصراعات واتجه في معظم الوقت إلى التعامل مع السياسات كما لو أنها لعبة تستدعي منه الكثير من التحايل والالتفاف، لكن درجة العنف التي مارسها في الأخير كانت ورقة أدت إلى رحيله وتركه للسلطة بعد أن تعرض لمحاولة اغتيال والمهم هو أن تكون أولويات مرحلة ما بعد صالح مرحلة إعادة تحقيق قدراً كافياً من المساواة وصيغة مرحلة متوازنة وصارمة في اتخاذ القرارات وهذا التعامل يجب ألا يتجاوز دقة المرحلة وطبيعة السياسة المتبعة التي تمثل البنية الأولى في إزالة الجروح التي تراكمت طوال الحكم الأسري الذي أقصى الجميع تاركاً الباب مفتوحاً أمام خيار التوريث وهذا دفع بالبلاد لتحضير لهذا التوريث إلى ما قبل عشرة سنوات وهي فترة مبكرة ساعدت على تلاشي المؤسسات وتزايد حركة التصفية بين القوى التي كانت تمثل أقطاب متعددة في الأسرة الحاكمة حتى استنزفت البلاد في حروب اتجهت بالوضع الاقتصادي إلى الهاوية وعرقلت تحقيق التطور الإداري بعد ظهور حركة التوظيف خارج دائرة القانون وسيطرة المتنفذين على كل الطرق المؤدية إلى المال العام.
أما الواضع الراهن فهو حساس ويستوجب تكاتف غير مسبوق وترك القائم بأعمال الرئيس أن ينفذ بعض من الأمور في إزالة مظاهر الاحتقانات وتوفير المواد الأساسية التي تتعلق بحياة الناس وبعدها يعمل على التفكير في الدفع بحركة تشكيل المجلس إلى الواجهة، بحيث يتم مناقشة طبيعة الدور الذي يجب أن يقوم به المجلس والأولويات التي تستوجب منه تنفيذها أثناء ممارسته للعمل السياسي في البلاد، فوضع البلاد متشابك وما قام به القائم بالأعمال يبدو جيداً وعلى الشباب عدم الحكم على النائب كما لو أنه يتحمل وزر الفترة السابقة، فوجوده الآن يشكل تمهيداً أساسياً في إقناع أطراف الأزمة لكي تبتعد عن الساحة وإزالة أسباب الاحتقان لكي تخرج البلاد من النتائج التي جاءت بعد إصرار واضح من قبل أطراف محدودة على استنزاف الفترة بطرق شتى في سبيل إجهاض الثورة بأي طريقة كانت.
لذلك فإن السبيل هو اعتماد صيغة السياسة التي ينظر إليها الكثير للمجلس في أنه سيعمل على تجاوزت المشاكل وإيجاد الحلول التي كان النظام متسبباً فيها وهو سيختار الطريقة التي تتناسب مع الوضع الحاصل، بحيث يجب أن تكون درجة الاهتمام منصبة على تبسيط العملية السياسية وتركيز القضية في خدمة الشأن الوطني وإعادة هيكلة المؤسسات وإيجاد الموانع التي تكون ضرورية في وجه أي قوة سياسية من خلال تضمينها في الدستور حتى لا تكون حقيقة الأغلبية هي سيطرة مطلقة لجهة على الإدارات والتوظيف وتكوين مؤسسات جديدة تكون خادمة لطرف سياسي أو خارجي ذات ضرر على المدى البعيد وكذلك التركيز على القضية التعليمية وإبعاد التعليم عن الجوانب السياسية سواء من حيث وضع المناهج واختيار المدرسين وترتيب الأولويات التي تحتاجها البلاد وهذه لابد أن تكون أهم ما يستوجب أن توفره هذه الفترة من صناعة مستقبل الدولة المدنية.
لقد كان الشباب في هذه الاختيارات قادرين على إثبات قدراتهم وثقافتهم في تحديد الأنسب للبلاد وما يعزز الشعور لدى الكل أن المناصب لن تورث، فهي حق الجميع مادامت الثورة قد جاءت من رحم المطالب التي ساعدت في تشكيل نوعية الحكم من خلال قدرة هؤلاء الثوار على حماية المكتسبات دون أي رجعة حتى ولو تراكمت التضحيات، لكن ما يهم أن تكون درجة الإحساس بالمسؤولية أكبر ودرجة الالتفاف إلى الخيار الوطني هي الأساس لما فيه من قدرة على حماية المرحلة دون وضع مسائل هي في الغالب تحتاج إلى وقت من حيث دراستها ومعرفة كل جوانبها.
عبدالرب الفتاحي
اقتراح سليم للشباب 2238