في مكان ما ثمة بشر وقطعان ولكنهم ليسوا هنا حيث نعيش يا إخواني فهنا ثمة دولة.. آه دولة؟ وما الدولة؟! فلتصغوا جيداً إلي، ففي نيتي أن أحدثكم الآن عن مصرع الشعوب.
الدولة هي اسم أشد الوحوش لا مبالاة وهي تكذب في لامبالاة وتخرج الكذبة هادئة من فمها فتقول: أنا الدولة.. أنا الشعب.. وهذا محض إفتراء! أما الخالقون هم الذين خلقوا الشعوب وزودوها بالإيمان والمحبة أصحلوا الحياة.. أما من ينشدون العدم فينصبوا الفخاخ في طريق الكثرة ويسمونها دولة ويشهرون السيوف، كل شعب له لغته الخاصة عن الخير والشر لا يفهمها جاره قد اخترع لغته من عاداته وحقوقه، أما الدولة فتكذب بكل لغات الخير والشر وكل ما تقوله كذب وكل ما تملكه قد سرقته".
هذه المقدمة والتي أحببت أن أفتتح بها مقالي هي للكاتب "فرانسيس" فوكوياما" من كتابه "نهاية التاريخ" وقد أعجبتني كثيراً لما تحمله من معان وتعبيرات حقيقية عن الدولة، فهي بالفعل اسم لأشد الوحوش وفي نفس الوقت كاذبة.
فانظروا إلى دولتنا اليمنية ماذا تفعل؟ إن الدولة في اليمن تقتل الشعب وتسفك دماء أبنائه وتعتقل من يخالفها الرأي، وسعيد الحظ من تفرج السلطات الأمنية عنه في بلادنا فإن ما حدث مؤخراً من قتل بحق الشباب العزل في الساحات كان من أفعال السلطة "الدولة"، ففي صنعاء قتل من قتل وجرح من جرح، وفي تعز لازال أبناء هذه لمحافظة الأبية يتعرضون للقتل والتنكيل والاعتقال على أيدي الأجهزة القمعية التابعة للدولة.
هذه هي الدولة فهي تقتل دون مبالاة من أجل الحفاظ على كرسي الحكم.. نعم لم يخطئ هذا الكاتب عندما قال إن الدولة اسم لأشد الوحوش لامبالاة فالدولة في بلادنا وحش كاسر مخيف يبث الرعب في النفوس وينشر الموت في أرجاء الأرض وحش عطش للدماء لم تكفه الدماء التي شربها من دماء الشهداء في صنعاء بل راح يبحث عن دماء في تعز ويا ليته اكتفى من دماء الأحرار بل عرج على أبين ليروي عطشه المفجع للدماء.
هذه هي دولتنا، أما عن الكذب فهو جزء أساسي أو مكون رئيسي من مكوناتها، فهي دولة لا نعرف منها إلا الكذب ولا شيء سواه، على سبيل المثال كذبه الطاقة النووية، كذبة الاستثمار في اليمن، كذبة القضاء على الفقر والجوع والبطالة وأكبر كذبة كذبتها الدولة على الشباب هي كذبة الوظائف الوهمية.
وكذبة القضاء على الفساد والمفسدين وكذبة.. وكذبة.
ولم يخطئ إطلاقاً الكاتب عندما قال إن ما تملكه الدولة قد سرقته.. فقد تم نهب الثروات والموارد الطبيعية واستبدلوا بأموالها القصور وكنزوا الأموال في البنوك، المليارات دخلت في حساباتهم البنكية من تلك الصفقات المشبوهة التي أضرت بالشعب وألحقت الأذى به، وبالنسبة لهم كانت مصدراً لجلب الأموال ـ أموال الشعب ـ المغلوب على أمره فقد ملكوا من أموال الشعب ما ملكوا ونهبوا الأراضي واستولوا على الخيرات والثروات، فكل ما يملكونه قد سرقوه من الشعب.
هذه هي الدولة في اليمن.. الدولة التي يدافع عنها الإعلام الرسمي حتى هذه اللحظة، الإعلام الذي يبكي على ضحايا حادث مسجد النهدين ولم يبكِ على ضحايا وشهداء صنعاء وعدن وتعز والحديدة، فهو لم يبكِ إطلاقاً عن أي شهيد سقط في ساحات الاعتصامات وكأن من سقط في الساحات ليسوا من اليمن وأبنائه.. فإلى متى سيظل الإعلام يدافع عن دولة لم تقدم لأبنائها إلا الموت والهلاك؟.
كروان عبد الهادي الشرجبي
مفهوم الدولة في اليمن 2336