يمن ما بعد الثورة، لن تحكمه أُسرة ..قبيلة .. منطقة .. طائفة .. حزب بعينه .. العسكر، فكل هذه المسميات سبق تجريبها، فلم تؤدي لغير الكوارث والمآسي، اليوم نحن أمام لحظة تاريخية فاصلة وحاسمة ، فالدولة المدنية الحديثة لم تعد خيارا ولكنها ضرورة لمجتمع أنهكته الصراعات الدموية وأثقلت كاهله الأزمات والمشكلات .
غالبية سكان هذا البلد تتطلع اليوم وتتحفز لمغادرة ماضيها المثخن بإرث من بالدم والألم إلى مستقبل أفضل خالٍ من الصراع والتناحر على السلطة باعتبارها ساس البلاء الذي أصاب مجتمعنا ، فدون حسم مسألة الشراكة الشعبية بالسلطة والقوة لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي ودونما الأخير يصعب الحديث عن عدالة اجتماعية وتنمية وازدهار .
الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وصف حاضر اليمن وأهله بالمراوح ما بين ماض لا يذهب ومستقبل لا يأتي ، هذا الكلام كتبه عام 94م ضمن سلسلة مقالاته اليابانية ، تحليل في غاية الدقة أجدني أعيده للمرة الثالثة وبعد بضعة سنوات من نشره لأول مرة ، فأصل المشكلة أننا بقينا في المكان ذاته ؛ فلا نحن طوينا صفحة الماضي أو فتحنا صفحة الحاضر والمستقبل .
هذه الثورة المباركة ينبغي ألا تتوقف عند مغادرة الرئيس صالح وانتقال السلطة إلى نائبه عبدربه ، فالثورة لم تقم من أجل رحيل رئيس أو نقل سلطته فقط ولكنها قامت في سبيل نقل اليمن وشعبه من حالته البائسة غير المستقرة إلى حالة مختلفة كلياً سياسياً واقتصادياً ووطنياً ونفسياً ووجدانياً.
نعم الثورة يجب أن تكون من أجل الحاضر والمستقبل اللذين غفلناهما وتجاوزناهما زمناً طويلاً، فنصف قرن من الثورتين على الإمامة والاستعمار اعتقد كافية لتعلم الدرس والعبرة ، لقد مللنا وسئمنا أو كما قال التونسي أحمد الحفناوي ( لقد هرمنا ) في انتظار هذه اللحظة التاريخية ، نود الانتقال من الماضي اللعين والقاسي إلى الحاضر الذي نحسب أنفسنا منه، فيما الحقيقة أننا مازلنا نجهله .
القبيلة الآن جاهزة للاندماج والذوبان في كنف الدولة ، القيادات العسكرية لم تعد بذاك البعبع المهدد والمخيف ، رجال الدين ، كبار التجار ، المشائخ وغيرهم كل هؤلاء صاروا مؤمنين بحتمية الدولة المدنية القائمة على العدل والمواطنة المتساوية والحريات والشراكة في الثروة والسلطة وووالخ من أسس الدولة الحديثة المستقرة ، اليمن اليوم على عتبات مرحلة جديدة واستثنائية ، فيجب ان تمضي صوب غايتها الكبيرة التي لا ينفع معها الاتكاء على القبيلة أو الجيش أو الطائفة أو المنطقة أو السلالة أو أو أو .
محمد علي محسن
نعم.. لقد هرمنا 2433