إن مؤمن آل فرعون الفرد الواحد انتفض أمام الطاغية ونظامه وحاشيته ويقود حملة كبيرة للدفاع عن موسى ويستنكر محاولتهم قتل موسى ـ أما ما يحدث في اليمن فهو قتل وليس محاولة قتل وهو قتل جماعي تحت ضمانات خليجية بعدم الملاحقة ـ لم يسكت مؤمن آل فرعون ولم يعدل موقفه ليرضي الطاغية وإنما فوض أمره الله تعالى، قال الله تعالى عنه: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (44) سورة غافر
إن مؤمن آل فرعون فرد وأنتم مجلس إقليمي له قوته وثقله، ومؤمن آل فرعون شخص واحد وأنتم ستة شعوب وست حكومات قصرتم عن دوركم أن تبلغوا بمجموعكم وجموعكم دور رجل واحد، في حقن دماء اليمنيين، فسبحان الله ما أقوى مؤمن آل فرعون وما أشد عجزكم، وسبحان الله الذي يجعل قوته في أضعف خلقه رجل واحد أمام فرعون ونظامه، وينـزع قوته من أغنى خلقه فلا تغني قوتهم وثروتهم شيئا، ونظام صالح يقتل المئات ويجرح الألوف ويدمر المدن وتخرب مليشياته وكتائبه الأمنية اليمن كله من زنجبار إلى حده ومن تعز إلى الحصبة، وهذا يحدث أمامكم ليل نهار تشاهدونه وتعلمونه.
يا قادة الخليج تذكروا أن التاريخ لا يرحم، وأن أحكامه لا تجامل أحدا، وتاريخنا اليوم تاريخاً مصوراً، جرائر صمتكم محفوظة بالصوت والصورة، فلن يقرأ أبناؤنا وأبناؤكم موقفكم مما يحدث في اليمن بل سيشاهدون، وسيقولون أين كانت ضمائركم وأنتم ترون الدماء تسير أنهارا، أكثر من مائة يوم وتدخلكم موجود وكلماتكم بالقطارة، ودماء اليمنيين بالأنهار، فبالله عليكم ما تقولون لله يوم القيامة وقد خذلتم شعبا بأكمله، وأنتم قادرون على نصرته، وتركتم أنهار الدماء تجري وأنتم قادرون على كفها، لقد حرقت المدن وأنتم قادرون على إطفائها، ألسنا أخوانكم في الدين، ولنا حق عليكم، ألسنا جيرانكم وللجوار حق وحرمة، لقد أصبحنا نستمع تصاريح من أوروبا فيها روح الإنسانية، ولم نستمع من أخواننا في الخليج تصريح فيه روح الأخوة الإسلامية والإنسانية، فأوروبا شعرت بجراحنا، وتألمت لآلامنا، وتأثرت بمصابنا، وعز عليها قتلنا، واستنكرت ترميل نسائنا، وتيتيم أبنائنا، وسفك دمائنا، وأنتم في مجلس التعاون تقدرون أن تمنعوا الظلم وتكفوا القتل وتحجزوا عن اليمن شنيع عمل الطاغية، فما الذي يمنعكم من القيام بواجبكم، ألسنا أخوتكم في الدين، ألسنا أخوتكم في النسب والدم، ألسنا أخوتكم في الجوار، وكلها حرمات مرعية، فهل راقبتم الله فينا، فعلام تتركون لأنفسكم العنان تتفرجون على اليمن ثم لا تبالون.
أنتم تعلمون قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به" رواه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع، وقادة الخليج وشعوبه يعلمون ويشاهدون ذلك على التلفاز أننا نعاني في اليمن القتل أفرادا وجماعات وتقصف بيوت الآمنين بالمدفعية والصواريخ والطائرات ولا نعاني الجوع فقط.
إننا نسمع أن الخليج بيئة ذات نفس ديني عالي وبالذات المملكة العربية السعودية التي تقف على سدانة الكعبة المعظمة وخدمتها، وحماية قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخدمة مسجده، فتأملوا يا أخواننا هذا الحديث الصحيح الذي أوردته لكم، تأملوه وليتأمله الصامتون في العالم الإسلامي كله، ويتأمله كذلك الصامتون داخل اليمن، والميسورون منهم بصورة أساسية.
يا أخوتنا تذكروا هذا الحديث: "ما من امرىء يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرىء ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في مواطن يحب نصرته" رواه أبو داود وأحمد. فهذا عقاب الله لمن يترك النصرة في العرض فكيف بمن يترك النصرة مع القدرة عليها في العرض والمال والدم، وتذكروا: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} (5) سورة آل عمران. وكيف من يترك نصرة أخيه المسلم ونظام صالح يقتله ودباباته تدك مدينته، هل تعلمون مقدار الرعب الذي يعاني منه السكان منها لا تنسوا قول الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} (19) سورة الحشر.
لن يفلت أحد من عقاب الله، كيف والله لا يرضى الظلم ولا يحب الظالمين ويأمر بتحريك الجيوش لإزالة الظلم من فوق الأرض، قال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} (75) سورة النساء. ونحن لا نطالبكم بأكثر من موقف سياسي يحقن دماء اليمنيين، فاحذروا الله فإن الله تعالى يقول: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ} (28) سورة آل عمران. ولا تأمنوا غضبه عز وجل {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (99) سورة الأعراف.
ويا أهلنا في الخليج تحركت المنظمات الأوروبية بدافع الإنسانية تطالب بمحاكمة صالح، فأين منظماتكم يا شعوب الخليج مما صنعوا، وأين خوفكم من الله أن يسألكم عما حدث ويحدث في اليمن، وأين مراقبتكم لله حين تقفون بين يدي الله تعالى، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ملحوظة:
الشكر موصول لكل من قدم موفّقاً مع اليمن، وعلى رأسهم دولة قطر الشقيقة أميرا وحكومة وشعبا، وكذا دولة الكويت أميرا ومجلس أمة وحكومة وشعبا، على الموقف التاريخي الذي قدموه لليمن.
د. محمد عبدالله الحاوري
موقف الخليج من إخوانهم في اليمن 2257