إنه عصر السرعة والإنترنت والفيس بوك وغيرها من مسميات التقنية العالية، ولم يعد هناك وقت للتورية والسجع والتشبيه والأطناب، إنه رقص على دقون القبائل، هكذا بكل وضوح عندما يتخلى كل منا عن الكثير من الحقوق المسروقة مقابل مقعد في البرلمان أو عشر درجات وظيفية أو رئاسة أحد فروع المؤتمر في المديريات، عندما نسكت عن الفساد المالي وهو ينخر في الأرض لامتصاص ثروات وخيرات هذه البلاد مقابل عضوية مجلس شورى أو مجلس محلي أو حتى مجلس آباء في إحدى المدارس المجاورة، عندما نسكت عن الظلم والتعسف واغتصاب حقوق الآخرين وانتهاك حرياتهم مقابل تجنيد أربعة من أبنائنا في الحرس أو بالنجدة أو الفرقة بعد أن تركوا التعليم.
لم يرقص على دقون القبائل فحسب، بل ورقص على برامج المعارضة وأفكارها وأدبياتها وخططها وأنظمتها الداخلية مقابل عدد من المقاعد البرلمانية لتدخل معه في انتخابات محسومة نتائجها مسبقاً، ومن لم يحسم، يتدخل الأمن والحرس الجمهوري لحسمه كما حدث في الرضمة بانتخابات 2000م المحلية ليتمدد في حكمة وتمنحه الشرعية المسروقة حتى الـ33 عاماً التي لم يحددها شرع أو دستور، جميعنا امتهنا التطبيل وهو وحده يرقص، حيث يشاء ونحن اليوم الأبرياء ومن العامة من يدفع الثمن.
يكفي مزايدات إنه مهووس بالرقص على كل شيء حتى على الأشقاء والأصدقاء بنغمات القاعدة والإرهاب والتطرف والفوضى الخلاقة والحرب الأهلية والحوثية، لكن الرقاص البارع يتحاشى تمريغ قدميه بالدماء الطاهرة أو أن يدوس على جثث الأبرياء من أهله.
يكفي عقابهم بأزمات الغاز والديزل وقطع الكهرباء وارتفاع الأسعار، وعدم توفير فرص العمل، وابتزازهم باسهم الضرائب والواجبات ويوم النظافة والتحسين، وأجرة العسكري وحق الطقم وغيرها.
لذلك نقول يا من خرجتم من منازلكم إلى الشوارع وساحات الحرية والاعتصامات، تاركين أطفالكم ونساءكم بدون غاز أو كهرباء أو ماء، أنتم خير الرجال، بل أنتم الضمير الحي الذي مات في قلوب الكثير من الملايين اليمنية، فلا تخذلونا.
صحيح لقد هرمنا ونحن في انتظار هذه اللحظات التاريخية، لحظات الشجاعة للدفاع عن الشرف والكرامة وكافة الحقوق، وحذاري أن تتراجعوا إلى الوراء قبل تحقيق كافة الأهداف المشروعة التي خرجتم من أجلها، ولا تظنوا أنكم وحدكم في تلك الساحات، بل إن قلوب الملايين من أنباء هذا الشعب الطيب معكم خطوة بخطوة، ونبشركم بأننا قد بدأنا نلمس ثمار ثورتكم الطاهرة، ولعل أهمها اعتراف النظام بأخطائه ومن الجمعة الماضية وبعد "33" عاماً تذكر أخيراً النظام والقانون ويسميها جمعة النظام والقانون، وهو من تجاوز وداس النظام والقانون، ولم يسأل نفسه أين النظام والقانون وهيبة الدولة عندما قتل المواطن البسيط صلاح الرعوي داخل إحدى غرف البحث الجنائي وسط مدينة إب؟ وأين هو النظام والقانون عندما تم التصديق على صفقة بيع الغاز لكوريا، وتأجير موانئ عدن وغيرها؟!.
وكونوا على يقين بأن سلمية الثورة هي من أربك النظام وجعله يتخبط في خطاباته وتصرفاته، يرحب بالمبادرة الخليجية ويرفض التوقيع عليها يدعوا إلى الحوار، وقواته وبلاطجته يواصلون اعتداءاتهم على المعتصمين والمشاركين في المظاهرات والمسيرات السلمية، يسعى لقطع الكهرباء والغاز والديزل والبترول بهدف إثارة الشعب على المعتصمين الذين يتهمهم بذلك، فنجد الملايين تحمله المسؤولية وتكتظ الساحات والشوارع بالمواطنين المساندين والداعمين والمؤيدين للثورة، وبسلمية هذه الثورة حظي الشعب اليمني وشبابه المعتصمون بتعاطف وتأييد إقليمي ودولي.
أما أنت أيها الراقص على آهاتنا يكفي طرباً ونشوة ورقصاً على أشلاء الفقراء والمساكين، ثلاثة عقود من الحكم.
وعيوب نظامك بحاجة إلى مجلدات، إن تلك الكوادر الشبابية التي خرجت إلى الساحات وتلك الدماء التي سفكت في عهدك ظلماً وعدوانا ولم تجد لها نصيراً يقتص لها من الجاني، وتلك الأيادي التي امتدت ليلاً على استحياء إلى صناديق القمامة بحثاً عن كسرة خبز وغيرها أطلقت جميعها صرخة واحدة "إرحل" من أجل مستقبل هذه البلاد، من أجل الطفولة التي لا تصل إليها فرق التطعيم، من أجل النساء التي خرجت إلى الشوارع لأداء صلاة الجمعة والدعاء، من أجل تلك الدماء والأرواح الطاهرة التي أزهقت في جمعة الكرامة وغيرها من الأيام الأخرى، من أجل مستقبل أطفالك الصغار يجب أن تلبي الدعوة ولا تتأخر، فلم يعد لديك شيء ترقص عليه سوى جثث الأبرياء.
عبدالوارث ألنجري
الرقص على جثث الأبرياء 1983