*منذ اندلاع الثورة الشبابية السلمية، والرئيس صالح يفقد في كل يوم يمرّ شيئاً جديداً من مكتسباته التي بناها وجمعها طيلة أربعين عاماً من خدمته في الدولة.. إنه بات يخسر كل يوم جزءاً متزايداً من رصيده السياسي والتاريخي، ويخسر من شعبيته وعلاقاته الشخصية والاجتماعية والأسرية، ويخسر من سمعته وإنسانيته وأخلاقه ومروأته، ويخسر من صحته البدنية والنفسية، ويخسر من أمواله وثرواته التي جمعها بواسطة سلطته، -بصرف النظر عن مشروعيتها-، وأخيراً وهو الأهم خسر الرئيس صالح - وما زال يخسر وسيظل يخسر- الشيء الكثير والكثير من أمنه الشخصي وأمن أبنائه وأفراد عائلته، وبلغت هذه الخسارة ذروتها منذ منتصف الأسبوع الماضي حينما فتح صالح وأبناؤه على أنفسهم باباً لما يمكن تشبيهه بـ(عش الدبابير)، بافتعال حرب دامية ضد أبناء المرحوم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ومن خلفهم قبائل حاشد التي ينتمي إليها الرئيس صالح..
* كم بدا هذا النظام المنهار غبياً وأحمقَ حينما تجرأ وأمر بإطلاق الصواريخ والمدفعية على منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، ذلك المنزل المميز بحي الحصبة في قلب العاصمة صنعاء الذي اُرتكِبت فيه مجزرة دموية بصواريخ صالح وأولاده، وراح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من قاطني المنزل وضيوفه وزواره، ومعظمهم من كبار الشخصيات وعِلْية القوم.. مجزرة بشعة لو علم بها فقيد اليمن والأمة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لتمنى لو أمكنه القيام من قبره كي يغسل هذا العار الكبير الذي حلّ باليمن ولَيثأرَ لضيوفه الشهداء والجرحى الذين سقطوا تحت عتبة داره بصواريخ الغدر، ولينتصر لدماء مئات الشهداء وآلاف الجرحى الذين سقطوا في مختلف المدن اليمنية ظلماً وعدواناً برصاص مليشيا هذا النظام العائلي المتطرف..
* وكم بدا رئيس هذا النظام للمرة الثالثة خلال شهر غادراً وفاقداً للأخلاق والمروأة، وهو يقتل وسطاءه ويقصفهم بالصواريخ والمدفعية، وهو الذي أرسلهم بنفسه إلى منزل الشيخ الأحمر لكي يداروا سوأته ويلملموا شيئاً من فضائحه المتكررة..
* لم يعد في كرسيّ الرئاسة هذا الذي يتشبث به صالح وأبناؤه حد الجنون والهوس، لم يعد فيه هذه الأيام ما يغري أو يشجع أو يدعو لكل هذا القدر من التمسك والتشبث المهين حدّ ممارسة القتل العشوائي للقريب والبعيد والكبير والصغير بدون تمييز، وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وإشعال الحروب والحرائق والفوضى والتجرد من كل القيم والأخلاق ونكث العهود والمواثيق والاتفاقات والاستهانة بمواقف الرجال وعلاقات الأشقاء والأصدقاء والتضحية بكل شيء ثمين في سبيل كرسيّ زائل، ناهيكم عن أن كرسيّ الرئاسة الذي ما زال يجلس عليه صالح ويتشبث به، أصبح اليوم أرخص وأقل قيمة وثمناً من كراسيّ الحراج المهلهلة التي استغنى عنها أصحابها وتلقفتها أسواق الحراج الشعبية المنتشرة بصنعاء!
* كم كنا ساذجين ومغفلين أيها السادة حين عشنا سنيناً طوال وعقوداً من الزمن ونحن نظن – وكنا واهمين طبعاً- أن ثمة شخصاً خارقاً يسكن خلف حوش الستين، شخصاً منا نحن البشر لكنه استثنائي من البشر والرعية العاديين، لأنه – كما كنا نعتقد واهمين- يمتلك قدراً هائلاً وخرافياً من الذكاء والعبقرية والفطنة والحكمة والدهاء السياسي، فضلاً عن أنه يحيط نفسه بطاقم استثنائي من المستشارين والخبراء وأساطين السياسة والإدارة والمساعدين في فنّ الجلوس على الكرسي الرئاسي.!
* ذلكم كان هو ما ظل يعتقده السواد الأعظم من عامة المواطنين والبسطاء أمثالنا، كما هو ظنّ الكثيرين من النخب ونظرتهم تجاه هذا الرجل، أو بالأحرى ما غرسه الإعلام الرسمي الكاذب وراكمه في أذهاننا ردحاً من الزمن الصالحي، غير أن واقع الحال الذي يتجلى أمامنا اليوم بوضوح لَمختلف جداً، عبرت عنه - وما زالت- ممارسات هذا الرجل السبعيني القاطن في قصر الستين، ولطالما أهرمَنا وأقلق سكينة وطننا اليمني السعيد وبالغ هو وحاشيته دونما مبرر في تهديد حياة اليمنيين وتفخيخ أمنهم واستقرارهم وأزعج الداخل والخارج بتصرفاته وقراراته الهوجاء هذه الأيام وتخبطه القاتل يميناً وشمالاً، لدرجة أنه كلما مُدّت إليه يدٌ لإنقاذه وإخراجه من ورطة العمر التي هو فيها، نجده يَعضُّ هذه اليد التي امتدت له، ولم نسمع في التاريخ أن عاقلاً ما تجرأ أو فكّر في ارتكاب حماقة بحجم جريمة قتل وسطاء وهم يسعون لإنقاذه وبطلب منه إلا هذه الأيام هنا في اليمن السعيد.. !
* السؤال الذي يحيرني كلما خطرت ببالي هذه القصة، هو: كيف اقتنع بأن قيامه بإرسال صاروخ لقتل رئيس مخابراته ومن معه من الوسطاء والرموز الذين أرسلهم تبدو فكرة مناسبة له ولوضعه الراهن؟!.. كيف استحسن القيام بهذه الجريمة الغادرة؟!.... كيف حسبها؟!.. لا أدري والله.. لا أدري، وأتحدى أي عبقريّ يملك تفسيراً موضوعياً ومنطقياً لمثل هذه التصرفات غير تفسير جنون العظمة الوهمية القاتلة، أو أن للمشيئة الكونية حساباتها التي لا نعلمها بشأن الخاتمة المنتظرة!!
عبدالله قطران
التضحية بالغالي والنفيس من أجل أرخص كرسيّ في العالم..كيف حَسَبها الفندم؟! 1990