;
محمد فاضل العبيدلي
محمد فاضل العبيدلي

حتمية التطور 2012

2011-05-29 02:23:01


كيف كانت عليه الأوضاع عام 1955 في البلدان العربية؟ وتباعا كيف كانت بعد عشرة أعوام من ذلك التاريخ.. أي في 1965؟ ثم في 1975 و1985 وهكذا؟
ليس للعام 1955 أية خصوصية هنا سوى أنه غائر في الذاكرة وبعيد ولدينا إجابة واحدة أيا كانت وجهات نظرنا وحتى مشاعرنا أو مواقفنا المسبقة أو عواطفنا في أشد درجات انحيازها. فالسؤال لا يرمي للكشف عما جرى من عقد لآخر، بل للتأكيد على «حتمية ما جرى»..
إن الإجابة الموحدة التي تقول إن الوضع كان يتغير من عقد إلى آخر، ليست سوى صيغة أخرى لحقيقة تغيب عن الأذهان لأننا نغيبها بعواطفنا، وهي أن «التطور» أو «التغيير» هو القانون الأوحد في هذا العالم. أي أن «الحركة» وليس «السكون» هو ما يصنع الحياة.
إن عواطفنا تضللنا إذا انحزنا لها، فطالما أن الحقائق وفعل الصواب والموضوعية، تتطلب تضحيات بالدرجة الأولى، فإن إتباع الحقائق وتلمس الموضوعية ليس سوى نوع من التسويات التي نقر من خلالها بحقائق قد لا تنسجم مع عواطفنا، أو بالأصح مكامن الأنانية في عواطفنا.
هكذا، تضيع حقيقة «حتمية التطور والتغيير» حتى ونحن نتحدث متباهين عن تاريخنا. نعم لقد تحقق الكثير منذ تلك العقود التي لم تكن فيها معظم دولنا على ما هي عليه اليوم وتم انجاز ما كان يعتبر في ذلك الوقت حلماً بل تجديفا بحق الخالق وسنن الكون والطبيعة بنظر البعض وقتذاك. فما الذي يتعين علينا فهمه الآن عندما تتداعى في أذهاننا هذه المقارنة؟
في مايو 2011، أميل لهذا النوع من الاستقراء لما شهدناه منذ مطلع العام لأن التفاصيل التي نثرتها الثورات العربية في تونس ومصر وتلك التي تتفاعل الآن في سوريا وليبيا واليمن لن تقودنا سوى إلى جدل سياسي اعتدناه. لكن مدلولات هذا التغيير الذي نحن بصدده ودروسه تبقى أهم من وجهة نظري.
لقد أفصحت الثورات التي شهدها أكثر من بلد عربي عن الكثير مما يتعين استيعابه وتعلمه، من بينها حقيقة واحدة أساسية هي «الحاجة للإصلاح» في بلداننا العربية وجعله منهجا ثابتا. الدليل هو المبادرات التي قامت بها أكثر من حكومة لتدارك الاحتجاجات.
أعتقد أن هذه هي الرسالة الوحيدة التي يتعين على الحكومات العربية أن تتقبلها دون معاندة. ولكي يوضع الإصلاح في مكانه الطبيعي، فان أكثر ما يحتاجه السياسيون في بلداننا العربية هو البعد عن القراءة المتعجلة والآنية والتصنيف الحديدي للتطورات وقراءتها من زاوية: «
مع أو ضد» أو أن هناك نوعاً واحداً فقط من الحلول ولا شيء سواها. ان منطق الثنائيات هذا، مدمر إلى ابعد الحدود وهو ليس سوى حاجز آخر فعال نصنعه بأنفسنا ونحجر به على ملكات التفكير التي نتمتع بها والآفاق غير المحدودة للعقل البشري.
لعل تلك الأسئلة التي بدأت بها هذه السطور خير ما يتعين على السياسيين العرب أن يتأملوه جيداً لأنه سيقودهم حتماً إلى أن يتفقوا حتى مع اشد منتقديهم على أمر واحد: فارق كبير بين الأوضاع اليوم وما كانت عليه قبل خمسة أو ستة عقود يؤكد من جديد ان «التغيير» هو ما يصنع الحياة.
أمر آخر أثبتته التغييرات الهائلة التي مازلنا نعيش إرهاصاتها: انعدام الأدوات الحقيقية والقدرة على التكهن بالمستقبل حتى القريب منه. سواء تعلق الأمر بتونس أو مصر أو ليبيا أو سوريا أو اليمن، لم يكن أي من حكوماتها قد تنبأ بإمكانية اندلاع احتجاجات على هذا النطاق الواسع
إن هذا يعود إلى أن الحكومات العربية لا تزال بعيدة عن اعتماد أساليب التفكير العلمي في صنع السياسات والحكم. فالسياسات لا تصنعها دراسات أو أبحاث، بل حلقة ضيقة من الأفراد الممسكين بالسلطة.
يبدو الإخفاق اشد أيضا عندما ثبت عجز تلك الأجهزة الأمنية التي لا أول لها ولا آخر أيضا حتى بالتنبوء والتحذير عما يمكن أن يحدث في مستقبل قريب جداً.
هذا الإخفاق يشمل أيضا حتى نخب المعارضة، والقول إن أحدا لم يكن قادرا على التنبوء بمثل تلك الثورات، يسجل إخفاقاً يشمل نخب المعارضة دون ريب.
ها قد وصلنا إلى المعضلة الكبرى: «المستقبل». الأمر الوحيد الذي أثبتنا دوما إننا مخفقون في التعامل معه، قراءة وتخطيطا واستعدادا. لن ينفع قليل من التهوين عندما نتذكر انه حتى الولايات المتحدة بل لا أحد في العالم، كان قادرا على التنبوء بما جرى. هذا جواب وليس مجرد ملاحظة أو سؤال.
لا يغير ذلك في الأمر شيئاً، فالدرس المهم الذي يشمل الجميع هنا هو أن هناك إخفاقا واضحا في أساليب ومقاربات الحكم والإدارة المتبعة عربيا. وثمة فجوة يتعين جسرها بين النخب الحاكمة والشعوب وثمة لغة تواصل مفقودة، وأخيرا فان الأهم من النمو الاقتصادي أرقام النمو هو العدالة الاجتماعية.
المدلولات الكبرى التي طرحتها ثورات الجيل الجديد من العرب ستبقى هي نفسها التي تقدم البراهين يوما بعد آخر على أن الحركة والتطور هي ما يصنع الحياة وليس السكون. والمأثرة ستبقى دوما في أن يكون هذا التطور والنمو ضمن تغيير واع ومدروس مبني على رؤية بعيدة المدى، سلس ودون طفرات أو كلف باهظة.
m.alobaidley@gmail.com

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد