ليس ثمة شك أن حالة من اليأس قد طغت على اليمنيين من تغيير أمام نظام ظل يعيد إنتاج نفسه بصورة مختلفة ووفق قواعد اللعبة السياسية التي يتحكم بمفرداتها وصياغتها طيلة العقود الثلاثة الماضية، لتظل مخرجاتها شبه محسومة سلفاً في ظل الاستغلال السياسي للوظيفة العامة، والمال العام، والمؤسسة العسكرية والأمنية، ووسائل الإعلام العامة المختلفة.
وتماشى الناس -سياسيون وأحزاب ومثقفون وشخصيات وطنية ومنظمات مجتمع مدني- مع المتوالية السياسية للنظام وظل الهامش الديمقراطي متنفساً للتعبير والرأي وحتى للمناكفات السياسية وظلت قافلة النظام تسير بالحد الأدنى من العمل لصالح التنمية واستحقاقاتها الشاملة، ومع هذا ظل التقبل السياسي والاجتماعي قائماً للنظام حتى برزت مسألتين هامتين جعلتا النظام يبدو أكثر قتامة وأقل احتراماً لمسؤولياته، الأولى: انتهاج سياسة التمكين السياسي والتجاري والعسكري للأبناء والأصهار والأقارب.. والثانية: استشراء الفساد وهيمنته وتوفير غطاء حزبي أو جهوي عائلي أو أمني أو قضائي له حتى فتحت فضائح بالجملة، كالغاز والنفط وميناء عدن ومصافي عدن وطيران اليمنية والمؤسسة الاقتصادية والتعهدات والمقاولات النوعية والشركات العامة العاملة بالداخل والخارج وفساد الضرائب والجمارك والمالية العامة عموماً وبنك التسليف، وبالتالي أصبح الفساد هو المتسيد المطلق والمهيمن الأكبر على مفاصل ومحاور وهياكل الدولة وبعجز معلن من أجهزة الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد ونيابة الأموال العامة ومجلس النواب والشورى.
ومن جهة تالية أصبح العيال والأقارب والأصهار ومن دار في فلكهم هم من يرسمون خط السير لحكومة "الدونكشوت" ومن يؤثر مباشرة على صانع القرار باتجاهات التوريث.
كما ظل البعض يراهن على التغيير من خلال العملية الديمقراطية الانتخابية التي أصبحت خاضعة لمتوالية النظام التي لا تفضي إلى معادلات جديدة للسياسة، فضلاً عن التداول السلمي للسلطة، وإنما كان يراهن هنا البعض على إمكانية تطوير النظام لنفسه تحديث طريقة إدارته للبلاد والعزم على محاربة الفساد والنهوض باقتصاد وطني وعدم سلطة القانون وسيادته وتوسيع هامش العمل السياسي الديمقراطي بما يسمع بقدر من الشراكة السياسية والاجتماعية في العملية السياسية والتنموية بقيادة النظام، إلا أن هذا البعض قد اصطدم بعدم قدرة النظام على التفكير بطريقة مختلفة وذهنية مغايرة، فضلاً عن إجتراحه لسلوك مختلف عما اعتاد واستمر فيه، خلال تقييمه للأمور والقضايا والخلافات، معتمداً سياسته الوحيدة في مواجهة المشكلات المتمثلة في شراء الولاءات بالمال، أو الحل الأمني وافتعال أزمات كبيرة ليواجه ويحسم أزمة صغيرة وينتصر بها على خصومه لا على المشكلة ذاتها، لأنه قد شخصن المشكلة وأتهم بها أطراف أو قوى سياسية أو مجتمعية لم تنسجم وتنصاع لعروض وترغيب رأس الدولة ممثلاً بالرئيس/ علي صالح.
ولهذا كان اليأس من التغيير مبرراً ولم يبق إلا الاحتجاج السلمي والنضالات السلمية التي ووجهت بعنف، ليصل المطاف إلى ثورة شبابية وشعبية سلمية ارتأت أن تواجه اليأس والإحباط من التغير بثورة عارمة غايتها دولة مدنية حديثة قائمة على نظام نيابي ديمقراطي وفصل حقيقي في السلطات ونظام انتخابي حديث وبالقائمة النسبية ومعالجة القضايا الوطنية بعدالة ومسؤولية تكفل الحقوق، فكل الأطراف تحافظ على مكتسبات ثورتي سبتمبر وأكتوبر، ووحدة "22" مايو 90م السلمية والارتقاء ابتداءً بالقضاء والتعليم العام والعالي من أجل شعب غير ميؤوس منه.
عبدالسلام البعداني
التغيير.. بين اليأس والثورة 1738