* ممنوع التجديد في الزعامات.. ممنوع دخول الهواء الجديد إلى الباحة الملكية والقصر الرئاسي، ممنوع تغيير الوجوه والأسماء.. السياسات والحكومات.. للمرء أن يحلم بالخوارق، أن يتوقع المعجزات، أن يتنبأ بالفواجع والكوارث، بالزلازل والطوفان، للمرء أن يحلم بالممكن والمستحيل في هذه الأوطان.. الشيء غير القابل للتوقع والعصي على التحقق ولو بالذهن.. هو أن يرحل الرئيس العربي دون طلقة رصاص واحدة.. أن يتحول إلى رئيس سابق، أن يترك كرسي الحكم دون انقلاب عسكري أو سياسي أبيض، أن يتعلم كيف يكون مواطنا صالحاً، قادراً على خدمة وطنه أينما كان، أن يخلع بدلته الرئاسية.. العسكرية، أن يودع الأضواء ورايات النفاق فاسحاً الطريق أمام بدائل أخرى.. ودماء شابة جديدة تنهض بالمسؤولية بفكر جديد ورؤية عصرية مختلفة.. أن يعلم الناس من خلال روح الإيثار لا الاستئثار، للتعايش مع التجديد وتحطيم كهنوت وهالة الزعيم الفرد الجاثم على الصدور حتى الرمق الأخير.
* أن تكون قيم التبادل السلمي للسلطة ماثلة على صعيد الفعل الحياتي والممارسة اليومية، لا ممثلاً بها في سياق الهيمنة الرئاسية المطلقة إلى الأبد، حيث تكرس صورة الزعامات كجزء من واقع وإرث الأوطان وذهنية نفسية المواطن هكذا يبد حال "دولنا" في وعي الآخر وثقافة الآخر، الذي يرى فينا مجاميع همجية هائمة على وجهها، لا تفقه في أمور الحياة والسياسة، تنخر جسمها الحروب والتناحرات ولا يوحدها شيخ القبيلة أو شيخ مشائخها أو الرئيس غير المنتخب.. الرئيس الضرورة.
* في هذه الأوطان العربية لا غرابة أن تخطى عمر الحاكم في السلطة عمر جيل كامل، وظل متمسكاً بأسنانه ومخالب قوته بالسلطة، لا غرابة لافتة عند الغرب أن يكون ذلك واقعاً سائداً في نظمنا الحاكمة، فالفطرة البدوية لدينا والملتفة حول كبير العائلة، تتلاءم تماماً مع الركود في الوجوه والسياسات القائمة/ القاتمة، حتى وإن كان الكبير "الحاكم" الذي دخل حياة النسق العربي، ليس هو ذلك الكبير الذي كان قائماً في عهوداً سالفة.. بقيمه الحميدة ومواصفاته المتسمة بالحكمة ورجاحة العقل والقدرة على توحيد الناس وقيادتهم ومشاورتهم في أمورهم وتدبر أحوالهم.
* الكبير "الزعيم" الذي فُرض على البلاد والعباد بالدبابة، لم يعد ذلك الشامل الجامع، بل هو أصغر الخلق وربما أحطهم وسيلة في إحكام سيطرته على السلطة بالغدر والخداع والوقيعة.
* الحاكم "الكبير" اليوم تمنحه سجاياه ومزاياه أن يحتل هذا الموقع، أن يكون في مقدمة الصفوف، فكثير من كبراء وربما كبائر حكام عالمنا المتخلف قد جاءوا على ظهور دبابة، ولم يقرأ أي منهم طيلة حياته سوى البيان الأول ومخطط القفز على كرسي الحكم.. توجوا أنفسهم رؤساءً وملوكاً على الناس قسراً، سمى كل منهم نفسه كبير العائلة.. بعد أن فرق العوائل وفتت لحمة الوطن وجعل الكل يقتتل مع الكل ويحيك كل منهم المؤامرة للآخر.. ويكمن له في ليل.
* وبهذه العقلية كبر الأقزام، حين تحولت الشعوب قهراً إلى نقاط بالكاد ترى بالمجهر وتضخم فعلهم الترويعي وأجهزتهم القمعية وأصواتهم العالية.. حين كدنا، بل سلمنا بعجز الشعوب.. ورأى كل شعب في صمته طريقاً منجياً وسلامة.. نعم طيلة عقود من السنين استمرأت الشعوب المغلوبة على أمرها الخنوع والإذعان للأمر الواقع، كيّفت نفسها مع الحكام الآسنين والأوطان للسقوط والانقراض، فعشنا وحكامنا في سكون وسلام.. يعرف كل منا أنه لا يود ولا يطيق الآخر ولا يقبل به شريكاً، ومع ذلك فإن الزيف والرياء ظلان هما سيدا المشهد الغرائبي المعاش بالتمجيد والتسبيح والمبايعة وإدعاء الوفاء.. حتى أصبح من علامات الاستقرار تأبيد الحكم ومن بوادر الاضطراب والتمزق أن تظهر في الأفق مؤشرات تغيير الحكام وكسر رتابة السلطة وبؤس السياسات.
* العالم يتحرك صوب التغيير، فيما يكون في "دولنا" المسكونة بالزعامات المعتقة الموت وحده هو من يمتلك حق التدخل في الشؤون الرئاسية وفرض التغييرات ولو الشكلية، رغماً حتى عن أنف الشعوب المستكينة الراضية وغالباً الرافضة الباكية.
* فهل ستظل شعوبنا العربية عل هكذا حلا من الاستكانة والخنوع والذل والرياء، تستلذ الموت والعذاب؟، أجزم بالنفي، فثورة تونس ومصر وليبيا واليمن قد كسرت حاجز الرهبة والخوف وأشعلت جذوة الحماس في الصدور وحملت بذرة توق حقيقي لمستقبل أكثر إشراقاً وأوطان أخرى جديدة، خالية من الظلم والقهر والعسف والطغاة، قريباً سنرى ذلك.. إنها رياح الثورات العاتية التي ستقتلع كل عشاق الدم والبارود والكرسي.. أعداء الحياة والحب والسلام.. قريباً لن يكون في أرضي "نيرون"، قريباً ستشرق شمس الحرية.
alhaimdi@gmail.com
محمد الحيمدي
لن يكون في أرضي نيرون 1803