أطلقت منظمة العفو الدولية في وقت سابق "مبادرة اليوم العالمي لمناهضة حكم الإعدام"، الوسائل الإعلامية حينها أبرزت قضايا محكومين افلتوا من حكم تنفيذ الإعدام بهم، بعد ما استأنفوا الحكم، وأثبت محاموهم براءتهم، بوساطة اختبارات الحمض النووي التي صارت أساسية في التحقيقات بجرائم القتل الجنائية.
الأميركي "أكسيل كيري" من بين هؤلاء، في مقابلة تلفزيونية أعرب عن فرحه لاستعادة حريته، وعن خيبته لأنه "لو لم ينفق الكثير من المال على قضيته لما تمكن من إثبات براءته" كما قال.
وعندنا في اليمن أعرف شخصاً يقبع في السجن منذ عدة سنوات وهو بريء وقد يحكم عليه بسنوات إضافية وذلك كما قال لي بسبب ضيق يده "ظروفه المادية الصعبة"، بينما غريمه رجل ذو جاه وثروة، إلا أنه يعيش بكل حرية خارج السجن، برغم أن كل الدلائل تشير إلى أنه من قام بالجرم، وسبب ذلك هو المال.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وبقوة: كيف يكون تطبيق العدالة مرتهناً بالمال، وليس بضرورة تطبيق العدالة نفسها؟، فواسطة العدالة يجب أن تكون مبادئ العدالة نفسها، وليس أي شيء خارجها، كفتا الميزان في القرار القضائي هم القانون الوضعي من جهة، والقانون الإنساني أو العدالة من جهة أخرى.
القانون المطبق بشكل أعمى هو أكثر ظلماً من عدم "تطبيق القوانين"، لذلك تكون القوانين عامة ومبهمة أحياناً وقابلة للتفسير.. القانون أشبه بباب يدخلنا غرفة مغلقة ثم يرينا في الداخل باباً آخر نخرج من خلاله، وهذا يحسب للقضاء وليس عليه، لان الأفعال تقاس بميزات العدالة وليس القانون، ليكون الحكم أكثر عدلاً، فالحكم في النهاية هو للعدالة وليس للقانون.
القانون يعاقب مثلاً على القتل بشكل قاطع، أما العدالة فهي تأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة بالفعل، فتقرر إذا كان ذلك تم دفاعاً عن النفس، فتمنح أسباباً تخفيفية، لأنه يعود للعدالة فقط أن تفسر المواقف وليس للقانون، ولكن الظلم أن تكون العدالة مرتبطة بالمال لتعمل بشكل جيد، طبعاً هناك محاكم تعين محامين من قبلها للذين لا يستطيعون أعباء المحاماة و و و و..إلخ، وهناك قضاة "محترمين" وشرفاء، لكن ذلك استثناء للقاعدة، والاستثناء لا ينفي القاعدة بل يؤكدها.
محمد الحيمدي
واسطة العدالة هي مبادؤها 1736