(عِش حياتك).. عبارة تخرج من أفواه الناس غالباً، لتستقر بقلب سامعيها دون تحديد لمفهوم مكنونها، فكلما انزعجت أو غضبت أو حزنت تقول في نفسك أو يقول لك غيرك لا تحزن (عيش حياتك), فيأتي مفهومها للبعض بأنك إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، اليوم فحسب ستعيش، فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره ولا الغد الذي لم يأتِ إلى الآن.
عمرك يوم واحد، فأجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه حينها لا تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب , لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وجدك وهزلك بمعنى آخر أكثر وضوحاً (يومك يومك)...
من جهة أخرى تكاد تكون مألوفة (عش حياتك) بمعنى أسعد حياتك ولكن ليست السعادة التي يُقصد بها: امتلاك قصر عبدالملك بن مروان ولا كنوز قارون ولا تكون السعادة بشيكٍ يُصرف ولا بودرة تُشم, السعادة سلوة خاطر بحق يحمله وانشراح صدر لمبدأ يعيشه وراحة قلب لخير يكتنفه, البعض يظن أنه إذا أكثر من امتلاك البيوت والنساء وجمع المسهلات والمرغبات والمشتهيات أنه يسعد ويفرح ويمرح ويعيش حياته ولكنها حقيقة هذه هي أسباب الهم والكدر والتنغيص للحياة.
الأقلية ترى أن قلبك يعيش المبادئ الحقة والمُثل السامية فيبصر الحق ويبصر الباطل ويدرك قيمة الشيء وحقيقة الأمر وسر المسألة فهذا مغزى (عش حياتك)..
المفهوم السائد لهذه العبارة هو أن الإنسان يعيش حياته بعيداً عن الماضي ومآسيه وحمقه وجنونه فملف الماضي عنده يُطوى ولا يُروى , يغلق عليه في زنزانة النسيان ,يقيد بحبال في سجن الإهمال ويوصد عليه، فلا يرى النور لأنه مضى وانتهى , كما أنه لا يأبه بالحاضر الذي وإن كثرت فيه مشاكله ومصائبه فإنه يرميها خلف ظهره ويبحث عن الحلو ويبتعد عن المر .
فئة البسطاء ترى أن الحياة تكون أبسط مما يكون فعلى حد قول البسطاء، فالحياة (لقمه وهدمه) فإذا توفرت اللقمة والهدمة عاشوا الحياة وهذه الفئة تتفق على أن راحة البال وحدها التي تحلو بها الحياة، فما فائدة المال والجاه بالحياة إذا لم توجد راحة البال ونادراً ما تجتمع راحة البال مع المال والجاه إذا لم تكن من المستحيل اجتماعهما..
أختم كلماتي المتناثرة على الصفحة البيضاء بقصة لشخص أصابه من الضيق والحزن والتشاؤم ما يجعله يحبس نفسه في بيته شهراً كاملاً، وعندما حضر أحد زملائه ليطمئن عليه بعد أن افتقد وجوده، فوجد حالته لا تُرثى لها وليرفع من معنوياته نصحه قائلاً: (عش حياتك وانسى همومك)، فسأله كنوع من التوضيح (وكيف أعيش حياتي ؟!)، فأجابه زميله كنوع من المزح (يعني تقوم تغتسل وتحلق ذقنك وتلبس ثياب نظيفة بألوان فرحة وشبابية وتنزل السوق تأكل وتأخذ لك بنت حلوة وتهيص معها واشرب خمر عادي وبتشوف الدنيا كيف هي وردية وليست سوداء و.....الخ), طبعاً الشخص هذا سمعه من هنا وطبق ما سمعه من هنا ولم ينتبه إلى أنها مجرد مزحه.. المهم اليوم الذي يليه التقى هذا الشخص بزميله الناصح، ولكن بدلاً من أن يشكره كانت النتيجة أنه قام بسبه ولعنه أمام الملأ والسبب باختصار أنه بات ليلتها في السجن خلف القضبان بسبب قفشه مع مجموعة مع النساء في حالة لا تُوصف تحت تأثير شرب الخمر, مما جعله يعض على أصابعه ندماً على خروجه من سجن بيته الدافئ إلى سجن الحكومة البارد وكما قال هو (يستاهل البرد من ضيع دفاه).
،،،،
أحلام المقالح
عِش حياتك .... 2472