مؤسف جداً أن يكون فهمنا وتصورنا لليمن الموحد بهذه السطحية والعقم الذي لا يرى فيه غير أكثرية سكانية في الشمال وتقطن جغرافية صغيرة قليلة الثروة أو أقلية في الجنوب وفي مساحة كبيرة تستحوذ على ثروة النفط والغاز.
مثل هذا الفهم والمنطق سمعناه من عبده الجندي -نائب وزير الإعلام- الذي لم يرَ في الجنوب سوى ثروة نفط وغاز ومورد يرفد خزينة دولة الوحدة، بينما لا يوجد في الشمال غير كثافة بشرية متناحرة على جبال قفرة من أية ثروة، ليت المسألة اقتصرت على شخص بعينه في السلطة أو جماعة مناهضة لها، بل سمعناها من دكاترة اقتصاد وسياسة وإعلام وهنا تكمن المأساة الحقيقية.
فهؤلاء لا يتحدثون أبداً عن ثروة اليمن الكامنة بقدرات وملكات وأفكار الإنسان اليمني، ربما لا توجد لديهم ثمة معرفة عن هذه الثروة الهائلة المعطلة نتيجة السياسة الخاطئة المعتمدة على ما في باطن الأرض من نفط وغاز أكثر من ثروة البشر، فهذه الطاقة الخلاقة والمنتجة للأسف لا تجد من يحدثك عنها كثروة يجب أن تستثمر وكقيمة ومورد وصناعة وسوق وأهمية لا يضاهيها ثروة في الطبيعة.
أسأل هؤلاء الذين لا يرون في الجنوب إلا ثروة ومساحة، وفي الشمال إلا كثافة سكانية وجبال قفرة- أليس لديكم فكرة عن ثروة البشر التي هي أهم من النفط والغاز والذهب؟، فما جدوى ثروة الطبيعة؟ وما نفع الجغرافيا من دون هذا الإنسان المبتكر والمنتج والمعمر لها؟.
السودان أكبر مساحة وثروة ومع ذلك لا تضاهي دولة مثل كوريا الجنوبية المصنفة صناعياً وتجارياً في قائمة الدول الكبرى ومن دون نفط أو غاز، فعلى العكس "60%" من مساحة كوريا جبال، ليبيا بثروتها ومساحتها لا تساوي شيئاً بالنسبة لجزيرة سنغافورة الحديثة العهد والفقيرة لمياه الشرب إذ لا وجه للمقارنة بين الحالتين.
كنت أفضل أن أسمع من هؤلاء الخائفين على الشمال من انفصال الجنوب أن يحدثونا عن مخزون بشري لا ينضب أو يزول، فكما الجنوب فيه ثروة نفط وغاز، ففي الشمال أيضاً ثروة بشر لا تقدر بثمن، ففي الحالتين ينبغي أن ننظر للمسألة من زاوية المصلحة والفائدة من هكذا ثروة طبيعية أو بشرية.
المعلومة اليوم تضاهي براميل نفط، فبراءة اختراع أو فكرة إبداعية بلا شك ذات قيمة وجدوى لصاحبها أفضل من أية ثروة في الطبيعة، فالفكرة الممتازة سلعة لا تعرف حدوداً، فهذه الهند أو الصين، برغم كثافتهما البشرية في رأس اقتصاديات العالم نمواً، إلا أن هاتين الدولتين ليسا في منظمة أوبك ومع ذلك حققتا في ظرفية وجيزة ما لم تقدر عليه دول الخليج قاطبة بنفطها وغازها، فبالإنسان المبتكر الخلاق والمنتج باتت الهند مصدرة للعقول الالكترونية إلى أوروبا وأميركا، فيما الصين حاضرة بصناعتها واستثمارها في كل بقاع الدنيا.
هذان أنموذجان أسوقهما هنا كدليل وبرهان على تخلفنا، فبالرغم من التحول المذهل الذي طرأ على العالم خلال العقدين المنصرمين ما زلنا أسرى التفكير الجامد، خذوا مثلاً مالك شركة ميكروسوفت (بيل جيتس) الذي بات من أغنياء العالم في سنوات، إنها مجرد فكرة في الأمس واليوم تشتري شركة اتصال انترنت (سكوبي) بـ"6,2" مليار دولار، وتدعم منظمة الصحة بـ"400" مليون دولار سنوياً.
محرك بحث (جوجل) كان فكرة اخترعها طالبان روسي وأميركي عام 98م، في الحاضر صارت شركة عملاقة تستحوذ على أغلب المعلومات والبرمجيات والاختراعات الجديدة المبتكرة، في "12" سنة، تضخمت وازدهرت شركة "جوجل" ولحد أن رأسمالها يوازي أكثر من أربعين دولة، يكفي الإشارة هنا إلى إيرادات "جوجل" خلال يناير مارس "2011م" "6,6" مليار دولار.
محمد علي محسن
النفط أم الإنسان يا هؤلاء؟! 2647