وأنا أمرر أناملي على "فسيفساء" قلبك، رأيت الحياة بألوانها المترفة واحترفت التأمل فيها حتى أصبحت أجيد الصمت كسمة وأمتهن السباحة في كل ماحولي دون أن يجرفني موج أو يغرقني طوفان.
عبر عينيك أتقنت الغوص وتعلمت جمع المحار وصنعت من أحرفي لآلئ ستظل تذيب خافقي حتى يموت آخر شرايين جسدي وإن لم أر وجهك إلا في أحلامي.
كلماتك الموشاة بالأمل هي من منحي زورقاً ورسم دون ساقيَّ بحراً وأهداني مجدافاً، ما أروع روحك حين تقلب دفتر الليل بين يديك لتهديني سطراً من الحب، يسرق من عيني النوم، فأمسي كبائعة الورد في حي البساتين.
كيف لهذا النبض الذي يشق خاصرة الفؤاد أن يتهادى في مخدع الصمت وأنت تشعل دونه جذوة الاحتفاء، هل تصبح القلوب جميلة بالحب إلى هذا الحد.
لَكم تمنيت أن أرصع أيامي بروائع من عقيق ثغرك الحائر، وأن أحيط سنين عمري بسياج أهدابك الذابلة، هل يجعلنا الحب أنقياء إلى درجة التسامي والعلو؟ لم أكن أصدق يوماً أن يكون في الحياة شيء بهذه الروعة وهذا الذهول.
وبقدر ما اعتدت منذ طفولتي أن أحب كل شيء حولي إلا أن السكون الذي ميز صدى مشاعري لم يترك لي فرصة الاستماع لنبض البشر حين يكون من بينهم توأمك الذي حملته إليك يد الأقدار.
ما أروع الإنسان حين يستخدم حواسه في فهم هذا العالم، لكن بعد أن يستخدمها لفهم نفسه وإعطاء الآخرين حقهم من ذكاء الحواس ذو العاطفة الوافرة.
الأيام لا تترك لنا فرصة الاختيار ولا تمنحنا خيار الانسحاب، ولكنها وفي أجمل اللحظات تبث في أعماقنا صوت الحذر وتعيد تشكيل قناعاتنا على أساس مخيف وترينا المستقبل في أسوأ حالاته ولهذا لازال كلانا يقف على رصيفه البعيد عن جادة السعادة التي ينشدها كلانا، أنا وأنت فقط نستطيع رسم الطريق وتحديد خارطة الوصول ومن ثم تكشف عن لغز الكنز الذي بدا بيني وبينك في صندوق خشبي فارغ وكتاب سطرته دموعي دون أن تتدخل فيه أناملي.
ولكن الكنز الحقيقي لم يظهر بعد، إلا في زمرد عينيك المشتعلتين دائماً، في ابتسامتك التي تختفي خلف كلماتك، في كل شيء يصنعه إحساسك ثم يصلني عبر رسائلك المفعمة بالرقي.
أصبحت أهوى أن بث منمنماتي على لوحة الوجود لأسقط عن عيناي نظارة سوداء كنت أرى ومضات الأمل من خلفها نجوماً ورحابة الكون ليلاً مظلماً والبشر المارون على حافة التاريخ أشباحاً.
وأعود لأسأل هل هو الحب؟ هل هي لغة الأرواح، هل هو القدر؟ لا شيء في الحياة أثمن من أن تكسب نفسك، لكن دون أن تحدد ثمنها لأنك بذلك لن تعطي إلا عندما تأخذ ولن تأخذ إلا أرخص ما لدى الآخرين، لأن الجميع من حولك سيتحولون إلى باعة ومشترين، وهنا تتحول مشاعرك إلى سوق مفتوحة وقد يصيبها الكساد حتى النهاية.
أن تكسب نفسك.. فهذا ليس بالأمر السهل لأنك بحاجة ماسة للحقيقة الخالصة التي تبقي قلبك جميلاً، تختال تجاويفه رقة وطهارة وتتسامى نبضاته ألقاً ونظارة.
ها أنا ذا أحاول أن أرصع قلبي من جديد بسبائك الوفاء ودرر النقاء وياقوت السعادة، فإلى أين تحمل قلبك وكنوز الدنيا بين يديك خانعة؟!
فأبقى عينيك نجمتين في سماء قلبي لا تأفلان، واسترح من عناء البحث عن جنيات الليل اللاتي لا يعصمهن الصمود من الغرق، وأبعث الحياة في نداءاتك الراكدة، لعل السماء تمطر، فتنبت أرواحنا قبلاً/ وأوراق غارٍ، وياسميناً وأباريق هناء، أمضي إلى الشرفات ولا تسأل الراحلين عن عناويني، فقد اختفت الجدران وانحنت ظهور الطرقات وشاخ الليل في انتظار طويل.
ألطاف الأهدل
عقيق القلوب 2428