حكومة تصريف الأعمال الحالية أُعلن فيها أن المشكلة في اليمن اقتصادية، فهل هي كذلك؟، هل مصدر مشاكل اليمن تكمن في الاقتصاد؟
أقول صحيح، فلا يختلف اثنان في العالم على دور الاقتصاد الهام في توجيه سياسات الدول والأفراد أيضاً.
أليست البطالة وضيق اليد والحاجة من أهم دوافع الجريمة ومرتع خصب لها ؟، وهل تبدلات السياسة العالمية إلا صدى لتبدلات الاقتصاد؟! والعكس بالعكس، فهما عاملان يتأثر كل واحد فيهما بالآخر.
وهذا العامل الاقتصادي أو المشكلة الاقتصادية –على حسب تصريح معالي الوزير– مؤثر في كل الدول بما فيه دولنا النامية، ولكي نقف عند حجم هذه المشكلة الاقتصادية في اليمن استأذن القارئ الكريم أن يكون صبوراً على الأرقام الكثيرة التي سيقرأها في هذا المقال، فالأرقام في مجال الاقتصاد – كما نعلم جميعاً – هي أصدق إنباء من الكلام الإنشائي، فهي المؤشر الحاسم الذي لا لبس فيه ولا يختلف عليه اثنان..
فالأرقام المجردة المثبتة في التقارير الصادرة – سواء من قبل الحكومة اليمنية ممثلة في الجهاز المركزي للإحصاء أو من المنظمات الدولية – هي دليلنا في هذه العجالة..
فقد صدر تقرير التنمية البشرية لعام 2010م عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث يقدم هذا التقرير التقييم المنهجي لأداء عناصر التنمية البشرية للدول المشمولة في هذا التقرير وهي 169 دولة من أصل 192 دولة منضمّة للأمم المتحدة وهذا الاستثناء لتلك الدول كان لصعوبة الحصول على معلومات وافية عنها، نظراً للظروف الخاصة بها،، لكن الاستثناء كان في الترتيب فقط مع بقاء تلك الدول تحت بند (الأراضي أو البلدان الأخرى) وهذه الدول مثل العراق والصومال وكوبا.. وغيرها،، لكن على العموم التقرير شمل أغلب دول العالم.
* دليل التنمية
يحتوي التقرير على دليل التنمية وهو دليل مركب يقيس مستوى الانجازات في ثلاثة أبعاد أساسية للتنمية البشرية وهي الحياة المديدة والصحية والمعرفة والمستوى المعيشي اللائق.
وتم ترتيب الدول تنازلياً على حسب هذا الدليل، فكان ترتيب اليمن "133" من أصل الـ"169" دولة، وهذا الترتيب متدنٍ بين الدول العربية –على الأقل– فلم يأتِ بعدنا من الدول العربية إلا موريتانيا "136" وجيبوتي "147" والسودان "154" في حين كانت دول عربية في مراكز متقدمة مثل الأمارات "32" ( أول دولة عربية في دليل التنمية) والسعودية "55" وتونس "81" والأردن "82" ومصر "101" وسوريا "111"..
شمل التقرير بيانات عن التعليم والصحة والاقتصاد والفروق الجنسية والأمن وغيرها من البيانات..
واللافت في هذا التقرير هو ظهور مصطلح جديد باسم الفقر المتعدد، فلم يعد مفهوم الفقر هو عدم كفاية الدخل للاحتياجات،، بل تعداه إلى أشياء أخرى مرتبطة به مثل تدهور الصحة وسوء التغذية وتدني مستوى التعليم والمهارات وعدم كفاية موارد العيش وعدم توفر السكن اللائق والإقصاء الاجتماعي.. كل هذا عبّر عنه التقرير بمصطلح الفقر المتعدد..
ويعتبر الفرد تحت خط الفقر إذا كان يعيش بأقل من دولار وربع في اليوم (ما يقابل 300 ريال حسب سعر الصرف هذه الأيام)،، حيث جاء في التقرير أن "52.5 %" من سكان اليمن ضمن الفقر المتعدد ( أي أكثر من النصف) وهي نسبة كبيرة بالمقارنة مع دول عربية مشابهة، فهي في العراق "14 %" والمغرب "28 %" وجيبوتي "29 %" أما أعلاها ففي الصومال "81 %"..
وهذا ليس غريباً إذا علمنا أن نسبة العاملين في اليمن هي "39 %" فقط من عدد السكان،، بل وأن "26 %" من هؤلاء العاملين يعيشون – رغم عملهم- تحت خط الفقر؟!
وجاء في التقرير أن نصيب الفرد من الرعاية الصحية هو "104" دولارات في السنة ( ما يقابل 25 ألف ريال تقريباً)، وهو رقم متدنٍ مقارنة مع "434" دولاراً في الأردن و "463" دولاراً في تونس و"768" دولاراً في السعودية..
أما عدد الأطباء في اليمن – كما جاء في التقرير – فهو "3" أطباء لكل عشرة آلاف شخص في حين يرتفع هذا الرقم إلى "13" طبيباً في تونس و"16" في السعودية و"26" في الأردن..
ونصيب الفرد من الدخل القومي يصل إلى "1160" دولاراً في السنة ( ما يقابل "280" ألف ريال تقريباً) ينمو هذا النصيب بمعدل "2.2%" في السنة،، لكن هل سيصمد هذا النمو مع النمو للسكان الذي يتوقع أن يصل إلى "26" مليون نسمة في عام 2014م و"40" مليوناً في عام 2030م.
هذا غيض من فيض تقرير التنمية البشرية لعام 2010م،، حيث يصل التقرير إلى "230" صفحة يمكن الحصول عليها من موقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على الانترنت..
وأخيراً.. فأول دولة جاءت في دليل التنمية البشرية ليس الولايات المتحدة الأمريكية كما نعتقد،، بل النرويج ولم تحتل الولايات المتحدة الأمريكية إلا المرتبة الرابعة بعد استراليا صاحبة المركز الثاني وثالثاً نيوزلندا.
عبدالحفيظ العمري
الغاز اليمني صدق أو لا تصدق!! 2267