جاء موسم الصيف وفي نهاره شمس قاسية تُرسّخ الكسل وتعمق الضجر وتُكثر من التأوه، بسبب الحر الشديد المصاحب لأشهر الصيف، أما عن ليالي الصيف، فلا شك في أنها تفتح مسام الروح وتشعل الوجدان، خاصة إذا التقت الروح بشواطئ البحر، فأمام هذا المشهد الساحر للبحر وأمواجه المتلاطمة والمتعاقبة، يجد الإنسان نفسه متحرراً من أفكاره العتيقة وعاداته التقليدية ويطمر مشاكله وأحزانه تماماً، كما يتخفف من ملابسه الثقيلة ووجهاً لوجه مع الطبيعة والماء والرمل والهواء المنعش، نتصالح مع الطبيعة وهذه الأجواء وبوجود الأضواء الخافتة، تُحتم علينا البحث عن النصف الآخر الذي يخالفنا جنساً، ولكنه يُكمّلنا، فنفتش عنه حتى تهدأ أرواحنا، ولكن أمامنا مطب، فليس البحث عن النصف الآخر بالأمر السهل، بل هو بالأمر الصعب، خاصة لمن هم دون سابقة حب، ولكنه قد يبدو سهلاً أمام البحر.
أحد الأفلام المصرية يحمل اسم (في الصيف لازم نحب)، عُرض عام 1974م، للمخرج/ محمد عبدالعزيز، يتحدث باختصار عن أن الحب هو العلاج الوحيد لمشكلاتنا النفسية، وأن زيارة شاطئ البحر في موسم الصيف ضرورية لتفجير مشاعر الغرام لدى الشباب، ومع أن جملة (في الصيف لازم نحب)، قد تحمل مؤشرات الصواب في كونها تصد بعض الموجات الحارة التي تعكر المزاج النفسي والعصبي للإنسان وتُرهق روحه، إلا أن لي رأي آخر، قد يخالف ما طرحه الفيلم، فعلاقات الغرام التي تختلق على شواطئ البحر تتحلل وتندثر بسرعة حين يهجر العاشق رمال الشاطئ ويعود إلى أجواء المدينة الصاخبة، لذا فهناك شيء آخر قد يكون بديلاً للحُب في الصيف (لمن لم يُحب) أو مُرافقاً له وهو القراءة.
وبالرغم من أن هناك أجيالاً لا تقرأ صيفاً ولا شتاءً –ليس الكل طبعاً– إلا أنني أحرض الناس على استثمار ساعات الصيف بالقراءة والاستعداد لها بذهن صافي ومزاج صاحي، وهذا الجو تزخر به ساعات أمام شاطئ البحر في ليال صيفية، وليس أي كتاب يمكن قراءته في هذه الساعات، فلابد من قراءة كتب تلاءم المناخ الحار والرغبة في الاسترخاء فأنا – مثلاً- أحبذ الروايات ولها نصيب كبير في قراءاتي صيفاً وأمام شاطئ البحر، فهي تشد الانتباه وتجعل القارئ يميل إلى متابعة أحداثها ويترقب مفاجئاتها السارة هذا من جهة، أما من جهة أعمق، فهي تجعله ينسل من واقعه الساخن، إلى جو الرواية الرطب بالمشاعر، وبما يفعله أبطال الرواية ومصائرهم.
في إحدى النقاشات مع إحدى صديقاتي حول جملة العنوان انتهى النقاش إلى اختلافات في وجهات النظر، فهي تظن أن العنوان يظلم الحب أكثر من كونه ينصفه باعتباره حلاُ لمشاكل الصيف، وترى من وجهة نظرها أنه لا يجب أن نقيد المشاعر الجميلة بموسم معين ولا بفصل دون باقي فصول السنة، لذا أجبرتها على قراءة الموضوع حتى تعي أنني أتفق معها بأن الحب لا يعرف الفصول ولا الساعات، ولكنه يكون حلاً لمشاكل الصيف المؤرقة ولا أعني بذلك أنني بجملتي سأطلقه صيفاً وأحبسه باقي الفصول، وإنما سأحضره معي في كل الأوقات.
مشكلتنا أحياناً تكمن في احتكار المشاعر الجميلة على موسم معين وأيام محددة من العمر أو حتى على شخص معين وهذا خطأ، فليس هناك أجمل من أن تغمر هذه المشاعر كل من حولنا دون سابق إنذار ودون شروط أو مواسم، بالتأكيد سيكون للحياة طعم ولون آخران، غير الذي نعيشه هذه الأيام.
أما عن صديقتي، فأقول لها: لا تأبهي يا صديقة، فسيأتي الشتاء وستجديني أحث الناس على بث مشاعر الحب، للتغلب على برود الجو وترطيب الأجواء القارسة بدفء المشاعر، فالحب حاضراً وإن كان غائباً.
أحلام المقالح
في الصيف لازم نحب 2414