لم تعد الجمعة في اليمن يوم الألفة والمحبة والتسامح وصلة الأرحام والإجازة التي يستمتع فيها العاملون والموظفون بحلاوتها مع أطفالهم في زيارة الأقارب والأحبة والأهل والخلان , انتهت نكهة الرحلة الصباحية إلى وادي ظهر برفقة مواكب العرسان وأصوات الطبول التي تنشد لحن البرع على الطريق .
انتهت اللوحة الجميلة التي كنت تشاهد فيها أروع المناظر وأنت تطل على سفوح الوادي الجميل، الخضرة الخلابة مع روائح الفرسك والتفاح والسفرجل وحلقات البرع المزينة بأكاليل الرياحين والسيوف المزخرفة التي تعلوا رؤوس، أكتاف العرسان.. يا ألله ما أروعها من أيام الصفاء والمحبة والأمن والسكينة التي يشتاق إليها الإنسان بطبعه الإجتماعي الأليف.
انتهت رحلة وادي الضباب في جمعة تعز الوادعة والهادئة ورحلة صبر الخيالية وقلعة القاهرة الساحرة التي تأخذك في فضاءات بعيدة وواسعة من الذكريات الجميلة وانتهت كلها رحلات الجماعات والأسر على شواطئ الساحرة عدن وبقية المدن وحلت محلها جميعاً لعنة السياسة ولعبتها القذرة، فلا تكاد تمر جمعة دون أن يساورك القلق بل ويهد كيانك الخوف, تمسك على قلبك الذي يرتجف خوفاً لأن الوطن مهدد بجموع يوم الجمعة فلا تسأل من تجد عن حاله وقد لا تقول له القولة المعهودة في مناسبة هذا اليوم: "جمعة مباركة: ولكن ربما تسأل عن اسم الجمعة فقد جعل لكل جمعةٍ إسم، أحياناً يدل على الحرب فيرعبك وأحياناً يدل على السلام والإخاء فيطمئنك ولكن للحظةَ قصيرة.
الجمعة التي تدل على الاجتماع أصبح اسمها ينذر بنوع من التفرق والتمزق والشتات خصوصاً عندما تسمع خطابات الساسة تشط بعيداً عن التعقل والعقلانية تسخنها مرارة الجموع المحتشدة وتحثها على التمادي في الغي الذي طال طول الدهر متكئاً على فساد كان حصيلة بناء السنين مشتبكاً اشتباك خيوط العنكبوت، منسوجاً بعلاقات المصلحة والمنفعة المتبادلة والمصاهرة والنسب والمصير المشترك الذي بدا أنه راحل إلى زوال بعد أن قطع كل طرق العودة وقطع الأواصر والسبل وتنكب طريق الحكمة فهجرها إلى غير رجعة.
لم تعد جمعة مباركة، وإنما جمعة توعد وزمجرة وتحد وإصرار واستعراض للعضلات التي نمت بخيرات الوطن ومن سحت مطلق، تغيبت الحكمة رويداً رويداً وتكشفت حقائق الأشخاص لتبدي كثيراً من سوء النيات ومقدار الاستهانة والتحقير بعظائم الأمور التي تظهر جلبة ً في خطابات تشبه كلمات أبطال المصارعة الحرة، غير أن الفرق أن كلمات المصارعين وتوعدهم تقال لإثارة الجمهور واجتذابه للحركات التمثيلية الخادعة بينما كلمات الساسة تقال لاستثارة الجمهور والدفع به نحو المحرقة ليكون هو المؤدي للحركات الحقيقية القاتلة ولحظتها يغيب أبطال السياسة بعد أن أعدوا الجميع لمحرقةٍ شاملة وكاملة.
لم تعد جمعة مباركة وإنما جمعة يتباكى فيه الجلادون على وطن مجلود بكل أنواع سياطهم ومجروح بكل أنواع أسلحتهم وعليه تذرف دموع التماسيح.
لم تعد جمعة مباركة ففيها تحدث مذبحة وترتوي الشوارع بدماء أشبال الوطن وتكتظ المستشفيات بجرحى الكلمة، وتسبقها مجازر وتأتي بعدها مجازر, والسكاكين لا زالت في إطار الإعداد والتمهيد, وجمعة مباركة رغم كل شيء لا بد أن تعود ساكنة وادعة بأجمل ما فيها وأحلى ذكرياتها وأطهرها .
علي الربيعي
إلى أين ستقودنا جمع الاستعراض؟ 2083