بعد أسبوع دامي نزفت فيه الجروح وأنت فيه الضمائر في بقاع مختلفة من الوطن.. جاءت الجمعة وهي اليوم الذي كتبتُ فيه مقالي هذا بعد شعور أجتاحني بسحابات الغرابة لتهطل، أسئلة غرقت في أمواج التفكير، فبعدما كان هناك بصيص أمل في أن نسمع من الرئيس كلمة تُجبَّر فيها خواطرنا المكسورة وتُغمض فيها عيون الثكالى والأرامل وتجعلنا يوماً ما نتجمّل منه ونعترف بأنه أفضل من غيره، جاء خطابه سيادة الرئيس بميدان السبعين كما تعوّدنا وزاد فقط هذه الجُمل ( لن تقف القبائل المؤيدة والجيش مكتوف الأيدي وسنواجه التحدي بالتحدي) وهذا إعلان صريح عن الحرب الأهلية، مما جعل منا من يتيقن أن الرئيس لا يسكن اليمن ولا يرى التلفاز ولا يعرف شيئاً سوى أن اللقاء المشترك هم مخربون وقطاع طريق وهم.... وعليها يا علي!.
إلى قبلما خطابه المُكرر والمُستفز اسبوعياً كنت أظن انه لن يصل بي الأمر يوماً لأن أكتب رسالة خاصة لأبي وأمي نصف محتواها مطموس بالدموع أخبرهما فيها أنني أعذر خوفهما الفائض على ابنتهما التي أبكتهما يوماً حينما وصفت نفسها يوماً بالعاجزة بسبب بُعدها عن ساحات التغيير وأعتذر لهما أنني اضطررت يوماً إلى قطع أوامرهما وسأرحل بهمومي وأوزاري وأحلامي إلى حيثما تقودني خطوات إيماني بأن وجودي مع صديقاتي هناك أفضل من وجودي بين أيديهم ...فلقد كنت أرى بعين الأمل وأشعر بأن هناك أملاً في رئيس رافق كرسيه 33 عاماً وسأمه –كما يدّعي- أن يحترم إرادة شعبه وينحني قليلا لدماء سالت دون ذنب سوى أنها تتطلع لغدٍ أفضل ولكن لا جدوى في التفكير، فالرئيس دون بَصر وبصيرة!.
فيا أيها الرئيس :
ماذا تبقى لك هنا بعد مرور أربعة أشهر ومازالت الوجوه تتوّشح بالغضب ونفس الإصرار ونفس القوة وكل الساحات تعتلي بالأصوات أم أنك لا ترى ولا تسمع ؟؟
ماذا تبقى لك في وطن تريد له التشتت والتفرقة فيزداد تلاحم وترابط ؟
ماذا تبقى عندك من إحساس وأنت ترى الشهيد يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يقول (إرحل) وذاك الجريح يمشي على قدميه ويده مبتورة تنزف الحرية ومازال مبتسماً في وجه جنودك ...لماذا تُصر على أن لا تستوعب؟
ماذا تبقى لك وأنت تسمع أن أم طفل شهيد تستقبل خبر استشهاد طفلها بإرسال بقية أولادها إلى الساحات وكأنها تريدك أن تفهم وتستوعب أن دم أبناءها لن ترخص إلا لأجل كرامة وطنها ؟ فأي كرامة تمنعك من أن تحنو قليلاً وتستشعر ماذا يعني أن تفقد طفلك أمام عينيك؟
كنت أظن يوماً أن زين العابدين قاسٍ حينما ترك شعبه 28 يوماً خارج منازلهم وبعدها رأيت حسني مبارك أقسى وأظلم من زين العابدين حينما وجدته انتظر لشعبه أن يسكنوا ميدان التحرير 18 يوماً ولكن ماذا أقول عنك وأنت تجاوزتهم في كل المقاييس، فمن مثلك يرى بعينيه شعبه شباباً واطفالاً ونساءً أكثر من أربعة أشهر وهم تحت حر الشمس وهطول المطر وصقيع الليل وهبوب الرياح يلتحفون فقط الكرامة ويبحثون بين أنات أوجاعهم عن قتات الحرية ؟؟
ماذا أقول عنك وأنت تضاهي القذافي بوحشية رجالك وفضاضة قساوتهم والذي ينامون على وسائد ممهورة بدماء أبناء شعبهم الذي توجهت نحو صدورهم رصاصات غدرهم وماذا تركت للقذافي حتى يرتكبه فيسبقك إلى الجنون والإجرام ؟؟
الآن فقط بتُ على يقين أني اليوم لستُ كما البارحة وما فكرتُ فيه سأتبعه تماماً كما يتبعون الشباب نسمات الحرية حتى ولو كانت في أقصى الموت ..فإرحل ماذا تبقى لك؟!.
أحلام المقالح
ماذا تَبقى لك ؟؟ 2254