المبادرة الخليجية ذهبت مخلفة وراءها شيئاً من التساءل حول الغرض منها، ثم أسباب تعديلها وكذلك عدم التفاعل مع كل مضامينها.
لكن الواضح أن الخليجيين تعاملوا بازدواجية فيما يخص إرضاء قطبي العملية السياسية لصالح النظام مع تجاهل مطالب الثوار والأحزاب المعارضة ففي بداية ما نصت عليه المبادرة التي انتقلت عبر أطراف معينة في الشأن اليمني وكذلك أطراف خارجية حدث تغير عليها لتتكور في شكل غير مقبول حتى أن وضعية المبادرة ومجال عملها تحددت في أضيق الحدود لكي تواجه الثورة اليمنية من خلال محاولتها التركيز على أحقية النظام في تحديد جوانب أساسية، كان بإمكانه القيام بها دون اللجوء إلى أي طرف خارجي ومنها ماهو متعلق بترتيب الانتقال السلس والسلمي للسلطة ودعوته مجلسي النواب والشورى للانعقاد وكذلك إصدار القانونين التي تضمن له جلوساً هادئاً ومريحاً وبعيداً عن المساءلة القانونية والعقاب.
فالرئيس كما تدل تصرفاته وخطاباته وسلوكه لم يكن متوجها في الأساس لكي يعمل وفق ما تقتضيه مصلحة البلاد العليا، بل حاول تعقيد المسائل والانزلاق بها إلى الفوضى وعندما صعبت عليه الظروف التي تراكمت من خلال تضامن واسع بين أفراد الشعب حول قضية تنحيه لجأ إلى أساليب معينة منها تصدير انعكاسات المشهد اليمني إلى الخارج، بينما الأصل في المبادرة كونها يمنية وجدت أذاناً صماء من الرئيس ونظامه الذي أدرك أن لعبته الطويلة تقتضي منها اللعب على المصالح الخارجية وذلك من خلال تعقيد ملامح طبيعة النظام الذي يمكن أن يخلفه.
ولذلك نجح في أن يلعب على الوتر الحساس على سيقان بعض الدول وتغلبت على هذه الأنظمة شيء من التوجس ليس على ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في اليمن بقدر ما تصاعدت في الناحية الأخرى حول ماذا سنستفيد - بمنطق سؤالهم هم - من أي ثورة يمنية تخلف وراءها مؤسسات ونظاماً وقانوناً وقدرة على تحقيق المصالح الداخلية بطريقة يصعب فيه لهذه الأطراف إيجاد الوسائل لكي تعيد إنتاج الكرة من جديد في سبيل إجهاض ما تطلع له اليمنيون في ثورة تحقق لهم أحلاماً ضيعوها على أبواب نظام اتسم بالفساد والمناطقية والحروب .
لذلك كانت المبادرة بمثابة الحماية وإعادة إنتاج النظام ثانية، بحيث يتم في النهاية النظر للثورة اليمنية بأنها ثورة قراصنة تحكم للأقوياء على حسب الضعفاء من أفراد الشعب .
وهذا يفسر أن المبادرة تسعى إلى إلغاء عمل المؤسسات اليمنية في تحقيق مبدأ الشفافية والعدالة وتحاول الانتقاص من تضحيات الثوار لأن ما يحدث الآن يدفع بأي مؤسسة مقبلة تم أنتاجها على أيادي الضحية أن تقتص من الجلاد وترميهم في نتائج أعمالهم وتصرفاتهم وعدم رجعوهم إلى المنطق .
بل إن النظام أرد نقل الوضع من الداخل رغم سهولة حله، فهو قد يقضي على كل المشاكل بأن يحدد الجهة التي ستخلفه ويعطيها حق إعادة تشكيل وبناء القوات المسلحة بعد أن يقوم بإبعاد كافة القادة المواليين له، بينما سيعمل الطرف الأخر الذي هو في صف الثور من العسكريين على الأسلوب ذاته لأن علي محسن لن يكون مكترثاً بالمناصب وهو حسب ما قال لم يعد لديه أي رغبة في أي منصب وهذا الجهة التي كان يجب عليه اختيارها هي ستحدد نوع الخيارات المتاحة، مثل إعادة تشكيل الدستور والقيام بالإعمال السيادية وإجراء انتخابات بعدها ستنتقل صلاحية هذه الجهة إلى حكومة منتخبة وبرلمان مستقل دون اللجوء إلى أبواب الخليج ليسعفونا ببعض المقترحات الفقيرة في تحقيق مطالب كل التحديات التي تقف أمام اليمن واليمنيين غير راضين حسب الشروط التي ضمتها المبادرة أن يعطوا بعض من وقف ضدهم وشرعن قتلهم لكي ينالهم العفو، فهم لن يدعوا عبده الجندي وغيره من السفاحين لكي يخروجوا بسلام وكأنهم مارسوا حقاً دستورياً يكفل للبعض منهم القتل والأخر أن يظهر على شاشة التلفزيون ليقول إن القتلى في صنعاء تم شراؤهم من ثلاجات المستشفيات، بينما سكرتير الرئيس يحاول الظهور بموضة الكذب وهو يتطفل لكي يشوه من قيم ثورة الشباب.
وتبرز المعضلة فوق هذه كله أن المبادرة الخليجية تؤسس لنظام ذات معايير خليجية بعيدة عن الواقع اليمني، لذلك يمكن العودة للخليجين مرة أخرى وسيكون الشأن اليمني في يد أطراف متعددة تنتهج سياسات تسعى في الأخير لخدمة مصالحها ونحن على علم أن هناك أطرافاً لا تنظر لليمن من النافذة المجاورة بقدر ما تكون طريقة النفوذ والتلاعب بالأوراق وصهر الواقع بشيء أخر لا يخدم اليمن.
وقد كانت اليمن ولفترة طويلة معرضة لتهميش متعمد وصراعات وحروب تجارية تنفذ بأيادِ داخلية لمجرد إزالة الشك لدى الأخريين - أن هناك أطرافاً دخلت لكي تهدد الأمن الخليجي وكأننا نحن اليمنيون بلا أمن - وإلى الآن ندفع نحن اليمنيون ضرائب التدخلات الخارجية والمجاورة بشكل لم يعد ممكن القبول به الآن وبأي مستوى، لذلك كانت قطر الدولة التي رفضت أي مبادرة لا تتضمن مبدأ التنحي الفوري للنظام وحاولت أن تقف إلى جوار الشعب اليمني وقدمت بتغطية الجرائم التي ترتكب بحق المعتصمين مما جعل النظام يحاول اتهامها بالعملية بينما هو يمتلك الملفات المملؤة بالخيانة للسيادة اليمنية والتعامل مع أطراف خارجية لكي تقوم بعمل حربي في الداخل اليمني من أجل تحقيق الاستفادة من عوائد الاتفاقات التي أبرمت على محاربة الإرهاب ليتم وضعه في حسابات خاصة.
من هنا كان إعلان قطر الانسحاب دليل كافي على فشل هذه المبادرة وعدم الاتفاق عليها بين الخليجين أنفسهم وأن هذه المبادرة لم تستوعب الشأن اليمني لكي تحقق المطالب التي أرادها الشعب اليمني بقدر ما تغيرت وراهن البعض عليها لتخويف أطراف تؤيد الشباب من الاستمرار بسلوك الاعتصام والرفض وبذلك تدخلت الأحزاب المعارضة لتجد نفسها في الأخير محط تخوين من الشباب وكذلك كانت المبادرة لا تتضمن أي نص يحمل الطرف الرفض أي رد يجعله يتحمل عواقب النتائج وهذا جعل النظام قادراً على تحديد كل شيء وبطريقته دون أن تقول دول الخليج أن النظام يلعب على خط الفوضى وهذا ما استدعى كتاب خليجيين لرفض مناورات النظام واعتبارها غير مجادية .
وأمدت هذه المبادرة أيضاً النظام بالوقت الكافي ليضمن لنفسه تحركات وقمع وحشد في ميدان السبعين وحضور خليجين في صفة أمام مسمع ومرأى اليمنيين اجمع لندرك في النهاية أننا أمام إخطبوط أخر يتم وضعه في طريق الثورة التي تريد أن تصحيح أخطاء الماضي وأخطاء الأحزاب السياسية بشكل أفصح عن مدى تأثير هذه الثورة على أقطاب يمنية ظلت بعيدة عن الانسجام مع النظام ودخلت في حروب معه وقد تلقي بأسلحتها في حال رحيله وتحركت لكي تعلن ولاءها لليمن كوطن مقابل إبعاد النظام عن الحكم، فهل نتجه مرة أخرى لكي نقع في مكان السيل بعد أن توفرت كل السبل لتحقيق مطالب الشعب في تحديد رغباته بقناعة تامة ليتمكن هو من وضع طبيعة النظام وشكله وإبعاده ووظائفه.
وهذا لن يتحقق إلا برفض المبادرة الخليجية التي رفضتها قطر لما تحمله من شروط مجحفة في حق اليمن واليمنيين وعملت على الضغط لكي تكون القضية واضحة في إبعاد النظام، لكن ذلك تم تجاوزه لتجد قطر ذاتها أمام إفشال متعمد للوضع في اليمن ليتم بعدها تأخير البث في ملف اليمن وظل هناك من يراهن أن الناس سيعودوا إلى بيوتهم بخفي حنين وعندما تصاعدت موجة المطالبات مرة أخرى وسقط المزيد من الضحايا من قبل اليمنيين تدخل الطرف الخليجي من أجل تزويد النظام بالوقت والوسائل الكافية للقيام بمناورة تجعله يتأخر أكثر ويقتل بطريقة تضمن له عدم الخوف من عواقب أسلوبه مادام هناك من يريد أن يحقق له الأمن والضمانات
ولكي يقوم بحشد جماهيري على الإستراتجية ذاتها - الرئيس يملك حشود ويملك مجموعة من المرتزقة الذين يلتفون حوله في يوم الجمعة من أجل القات والغداء- وهكذا يمارس التزييف على الواقع اليمني بينما القتلى هم من الجامعيين والمتعلمين ومن الذين ظلت قضاياهم أمام المحاكم أو غيرهم الذين تأخرت وظائفهم ووزعت على أقطاب النظام الذي قتل كل الآمال في يمن جديد ومستقبل أفضل، لهذا تريد المبادرة الخليجية أن نتفق على شيء لم يتحقق ونحن في الواقع نعمل على تحقيقه وهي على فعلها تتوجه إلينا بمسمار جحا كل مرة يريد فيها ترد صاحب البيت اعتقد ويعتقد الكثير من اليمنيين أن الواقع مختلف وإن ما سيقوم به أي طرف في صف النظام سيؤدي به في النهاية ليجد نفسه أمام مصير سيدفعه لكي يعادي إرادة الشعب بكل شرائحه، لكن هناك شيء أحب أن أؤكد عليه عن المبادرة الخليجية التي فشلت وانتهت فترتها لأنها لم تكن ع
عبدالرب الفتاحي
قطر وفشل المبادرة 2145