ألاعيب وحيل شيطانية ومحاولات مستميتة .. أشبه ما تكون برقصة الموت ،يطل بها علينا رأس النظام كل يوم في مناورة رخيصة ومساومة وانتهازية واضحة، لعل ذلك يُبقي حكمه الفاسد ويعطيه مزيداً من الأوكسجين ليطيل عمره في سلطة فاقدة للشرعية الشعبية، بعد أن نصَّب نفسه وصياً على الشعب اليمني طيلة 33 عاماً، ويتصرف وفقاً لفهمه على أنه الوطن والشعب معا، بل وهو الدستور والشرعية.
وانطلاقاً من هذه الرؤية الديكتاتورية التسلطية، عمل النظام طيلة فترة حكمه على ان يظل المواطن اليمني يدين له بالولاء والطاعة ، ولكي يتحقق هذا ويستمر تم اختراع عدد من الحيل والأكاذيب والممارسات التي راهن عليها لكي يبقى في الحكم أكبر فترة ممكنة بل ويورثه لأبنائه ، فعمل هو وأجهزته البوليسية على إبقاء المواطن اليمني أسير الخوف الذي صنعه ويصنعه النظام، وأن يظل يشعر بالخوف دائماً، من الانفصال، من التقسيم والتشطير، من القاعدة، من الحوثيين، من الصوملة، من العرقنة، من الحرب الأهلية، من قطاع الطرق، من الفوضى الخلاقة، من دعاة الفتنة،من الأزمات الاقتصادية ، ومن أزمات متعددة تحمل مصطلحات مختلفة امتلأ بها قاموس النظام في هذا البلد، ولا يمكن حصرها ، وأستطاع النظام في اليمن ومن خلال إتباعه تلك الحيل تشويه العقول النظيفة حتى لا نجد ملجأ منه إلا إليه.
واستمر مسيطراً بهذا الفكر واللعب على المتناقضات وافتعال الأزمات، على كل مقدرات البلد فما من مؤسسة عامة أو خاصة تعليمية أو اقتصادية أو اجتماعية إلا ووضع على رأسها رمزاً من حزبه (المؤتمر الشعبي العام)، ووصل به الأمر في هذا حتى على مستوى وكيل مدرسة لابد أن يكون ممن ينتمون للحزب وممن يدينون بالولاء للنظام، وذلك كي يضمن أنه ينفذ نفس أسلوب السيطرة السلطوية، والطاعة العمياء، بل ويمنحه غطاء يحول بينه وبين أي مساءلة حول الفساد الذي يمارسه، أما من هم دون ذلك فهم يعملون أُجَراء ويمارس عليهم كل وسائل القمع المهني.
واستطاعت منظومة الفساد في نظام صالح السيطرة والتحكم في كل شيء، معتقدين أن تزوير الانتخابات، وتهميش المعارضة، والكذب والفهلوة على الشعب وخداعه، سوف تضمن لهم البقاء والاستمرار فيما يمارسون من عبث ، غير مدركين أن ليس هناك دولة تغرر بالأفراد الذين تتألف منهم، وليست هناك عظَمَة يمكن أن يشاد صرحها على دماء ودموع ومظالم ومظاهر كاذبة واستبداد، إنما يشاد الصرح القوي على أساس متين من الحرية المكفولة لكل إنسان والكرامة والعدالة المتوافرة لكل مواطن.
وقد عمد النظام والمحيطون به ومنذ انطلاق الثورة الشبابية الشعبية السلمية في 3 فبراير 2011م إلى ممارسة كل ألاعيب وحيل البقاء، فكان من أبرز هذه الحيل ممارسة الكذب والخداع والتزييف والتشويه للشعب وللمتظاهرين والمعتصمين والتقليل من شأن تحركاتهم الاحتجاجية، وعندما لم يفلح في ذلك لجأ إلى إطلاق مبادرات إلتفافية كما هو ديدنه، وزيارته لمشائخ ووجهاء القبائل في ضواحي صنعاء وأرياف بعض المحافظات علَّه يحظى بتأييدهم ومناصرتهم له، فلم يجد من يصغي لأكاذيبه وتخرصاته.
فالشعب قد خبره وخبر نظامه وألاعيبه، ولم تعد تنطلي على أحد من أبناء الشعب حتى الأطفال، وسعى جاهداً ومن خلال وسائل وقنوات الزور والبهتان والدجل إلى تغيير الأحداث وقلب الحقائق وحشد مواكب التدليس والاحتيال والنهب،واتهام المتظاهرون والمعتصمون والمناهضون له بالعمالة والخيانة والتآمر والإرهاب والتخريب ووصفهم بأقذع العبارات والكلمات،وشنَّ حرباً نفسية متعددة الأوجه جمعت بين التهديد والترويع والتجسس والتصنت والتتبع والمضايقة والاختطاف وغيره، بهدف تفريق صفهم وإضعاف عزيمتهم، وعندما لم يفلح عمدَ إلى إحدى طرقه وحيله (القديمة الجديدة) وهي حشد وتجميع البلطجية وكلف رموز فساده وبعث بهم للبحث عن المعقدين والمأزومين وأرباب السوابق والقتلة والمأفونين والنشالين ودفع بالسجناء ومرتزقة ومغرر بهم وتشكليهم في مجاميع تقوم بمهة إرهاب وتخويف وقتل وطعن وخطف ، والإعتداء على المعتصمين والمتظاهرين وثنيهم عن هدفهم وإسكات أصواتهم وإجبارهم العودة إلى منازلهم، وسقط الكثير من شباب الثورة السلمية شهداء وجرحى جراء المواجهات مع بلطجية النظام وسماسرته والمنتفعين منه،ورغم ذلك صمد الشباب، فأفشلوا مخططاته الإجرامية تلك.
ثم حاول أزلام نظام صالح وزبانيته ولازالوا يحاولون إقامة ستائر التعتيم على ما يشهده الواقع اليمني من رفض الشعب القاطع والحاسم لهذا النظام، فسعوا بغباء أحمق إلى ملاحقة الإعلاميين والصحفيين بالتهديد والاختطاف والاعتداء بالضرب، واتهام وسائل إعلام عربية كالجزيرة بعدم المهنية والحياد والتعدي على مراسلي وسائل ووكالات الأنباء العربية والأجنبية وطرد بعضهم، ومصادرة آلات التصوير ، ومنع البعض الأخر من الدخول إلى أرض الوطن لتوثيق ثورة الشعب اليمني، وحجب المواقع الإلكترونية وقرصنة واختراق المدونات والصفحات التي ترصد وتنقل وتوثق أحداث الثورة الشبابية السلمية اليمنية الحضارية على مواقع التواصل الاجتماعي ،وتصرف النظام وسماسرته إزاء كل ذلك ببربرية ووحشية، يصاحبها لسوء حظهم غباء حيواني، يخلو من التحضر والآدمية، فضلاً عن الثقافة والإدراك بأنه لاشيء يحجب الحقيقة والصورة عن الناس والعالم في زمن الموبايل والإنترنت والفضائيات والأقمار الاصطناعية وعصر الميديا المختلفة.
ولم يكتفِ بهذا وقام ببث الشائعات الغريبة والمتناقضة والأراجيف المتنوعة وتخويف الناس لحملهم على التسمك بنظامه الفاسد، فمنع عنهم الغاز، ثم المازوت والديزل، ومتاجرته بأقوات الناس ، إلى منع الكهرباء بحجة عمل تخريبي لا نعلم من قام به ،وتفجير أنبوب النفط، وإدعائه أن هناك مليشيات تهاجم رجال الأمن، وتفجير مصنع الذخيرة بأبين، وإلصاق ذلك بالقاعدة التي ظل يستخدمها كورقة رابحة منذ ظهورها، وتهديده الدول الغربية بها ، ثم حديثه في كلية الطب في جامعة صنعاء أن هذه الثورة مخطط لها من الغرب وتدار من تل أبيب، والبيت الأبيض، ثم مهاجتمه لدولة قطر الشقيقة وإتهامها بتمويل ما أسماها بالفوضى في اليمن ،وإيحائه لأنصاره البلداء بأن قناة الجزيرة تنفذ مخططاً إسرائيلياً وغربياً خطيراً ضد البلد، ثم تجنيده لمرتزقة من البلهاء والغوغاء للظهور في فضائية اللوزي والتحدث عن اعتداءات وتقطعات تقوم بها عناصر من المشترك ومن الشباب المعتصمين،وكذلك حديثه في جمعة(الخوار) عما قال انه اختلاط في ساحة الجامعة، وهلم جراً من الشائعات والأراجيف التي لا تعدُّ ولا تُحصى، وكل ذلك دون أن يقدم ولو دليلا واحدا أو قرينه مقنعة لما يمارسه من تضليل بحق البسطاء من الناس،الذين ينجرون وراء مسلسل الإرجاف والتزييف والتزوير والتخويف والترهيب وينخدعون به، وبما تمارسه فضائية اللوزي وأخواتها من وسائل الكذب الرسمي من تحريض ضد المعتصمين والمتظاهرين واختلاق الأكاذيب وبث الأراجيف والشائعات في أوساط المجتمع.
ومن حِيله أيضاً تكليفه رموز الفساد بإفراغ الخزينة العامة للدولة وشراء صيحات الغلابى لقاء دراهم معدودة وملايين الريالات لمن يتزعمهم ويجندهم لترديد هتافات الولاء والتأييد التي تخفي خلفها مساحات الخوف من بطش من جمعهم ومن جاءوا لنفاقه.
ثم إنّه وفي مهمة دموية أخرى يراهن عليها هذا النظام القمعي، قام بتوزيع السلاح على الموالين الذين يشترط فيهم أن يكونوا من (أصحاب السوابق وخريجي سجون وقتلة مأجورون) لنشر الفوضى وإقلاق السكينة العامة وترويع السكان إلى التلويح بالحرب الأهلية على غرار(زنقة زنقة دار دار)، مروراً بإطفاء التيار الكهربائي عن ساحات وأماكن الاعتصامات ومنع الناس من الوصول إليها وخصوصا أيام الجمعة، واحتجاز ومصادرة القوافل الغذائية التي يتبرع بها السكان للمعتصمين،والتحرش بالشخصيات السياسية والاجتماعية والحقوقية،وإثارة النزعات والثآرات القبلية والمناطقية والطائفية ، وتهديد وفصل الشرفاء من المستقيلين المنضمين للثورة، وإيقاف رواتب المعلمين والعسكريين، وابتزاز التجار، واختطاف النشطاء وإخفاء واعتقال ضباط وجنود أعلنوا تأييدهم للثورة، وحرق وتحطيم منازل وسيارات الشخصيات والوجاهات الاجتماعية التي أعلنت تأييدها للثورة، ومحاصرة بيوتهم وإطلاق النار عليها.
وأخر هذه الحِيل والألاعيب القذرة التي لجأ إليها النظام في صنعاء والتي لا تقل دناءة وخسة وصفاقة عن غيرها من الحيل السابقة، بل وتعد سابقة خطيرة كونها كشفت عن مستوى الانحطاط الأخلاقي الذي وصل إليه هذا النظام، ألا وهي اختطافه الطبيبات والممرضات اللاتي يرافقنّ المسيرات والمظاهرات بمعية سيارات الإسعاف، واختطافه أيضاً نساء وفتيات أثناء مغادرتهن ساحة التغيير وأثناء عودتهن إلى منازلهنّ وإلصاقه بهنّ تهم تنال من شرفهن وعفتهنّ ، وكذلك رشه المتظاهرين بمياه المجاري ، وغيرها من الجرائم البشعة التي ارتكبت وتركب بحق من ناصر أو أيّد أو أعلن انضمامه لثورة الشباب السلمية، ورغم كل تلك الحيل للبقاء التي مارسها هذا النظام لكنه فشل في احتواء الشارع الغاضب.
وأستمر النظام في نسج الحيل ومخططات الإجرام معتقدا أنها ستطيل بقائه، فاستعان بمليشيات الغدر، وقوى البطش والقتلة المأجورين والدمويين من عناصر أمنه وحرسه الخاص والجمهوري والمركزي والبلطجية والحمقاء للانقضاض على الثورة الشبابية وإجهاضها وتشويه صورتها، بل وتشويه صورة اليمن كله، بإطلاق أعيرة الخيانة والغوغائية على المعتصمين السلميين في ساحات وميادين الحرية والتغيير في صنعاء وتعز والحديدة وعدن وإب وحجة والبيضاء ومختلف محافظات اليمن التي انتفض شبابها وشاباتها، بعد سنوات عجاف طالت بين القهر والإذلال والاستبداد والتسلط، كي يظهروا وجه اليمن أمام العالم كله بشموخها العريق الذي أسقطته مواكب الفساد ،وتعود لها مكانتها التي أطاحت بها مواكب الأقزام والسفهاء والحمقاء وحملة المباخر وتسترد عزها ودورها الذي يتاجر فيه السماسرة والعملاء والجهلة .
وأستطاع هذا الكوكتيل الإجرامي من الدمويين والمتوحشين والقتلة سفك دماء الثائرين وقنصهم وإغتيالهم وخطفهم، فأستشهد عدد منهم ليكتبوا بعطر دمائهم الطاهرة وهي أغلى مايملكون سطوراً هامة ولحظات ثمينة في تاريخ الشعب اليمني،وفي سبيل أن تودع اليمن زمناً كئيباً جاحداً سفيها وتستقبل زمناً أخر وهي تحمل شهدائها الأبرار بين يديها تقدمهم قرباناً للحرية والكرامة وثمناً للشموخ والعدل،في وقت يأبى فيه النظام والمحيطون به أن تودع اليمن ماضيها الأسود ، فراحوا يمعنون قتلاً وإرهاباً وترويعاً وبلطجةً ونفاقاً ودجلاً، غير مدركين أن إرادة الشعوب أقوى من صرخات البطون، والعزائم أقوى من الرصاص الحي وقنابل الغاز السام ومدرعات عناصر الأمن من الذين فقدوا ضمائرهم وصوابهم وعقولهم ومسؤولياتهم في لحظة سوّلت لهم أنفسهم قتل إخوانهم إرضاءً لطاغية مستبد، وما علم هؤلاء المغرر بهم أنه حين تسيل الدماء يخبو كل شيءّ ،الكلام والسلطان والأموال والصفقات والنصابون والدجالون والقتلة، حتى وإن كانوا قد استطاعوا قتل بعض الثائرين إلا أنهم لن يستطيعوا قتل ثورة.
كل تلك الحيل هدفها إطالة عمر نظام متهالك منهار، ولا نستبعد أن تُبتكر خلال الأيام القادمة حيل ومخططات ومؤامرات أكثر دموية من قبل النظام وعناصره،
، بل إن صالح وأقطاب نظامه الذين يحثونه على البقاء وعدم التسليم ، لن يكتفوا بتلك الجرائم وما قاموابه من ممارسات ولازالوا ولن تكون تلك آخر جرائمهم، وإنما يخططون لارتكاب المزيد، وسيفعلون كل ما بوسعهم لنشر الفوضى، وسيستخدمون كل أسلحة التآمر من أجل الوقيعة بين المعتصمين بعضهم البعض، وبين الشباب وأحزاب المعارضة، وبين الحوثيين والإصلاح وبين الفرقة الأولى مدرع ، والوحدات العسكرية والأمنية الأخرى، وسيعيثون في الأرض الفساد، وإخافة الناس وترويعهم، وسيقاومون بشراسة، لأنهم يعرفون أن ما اقترفوه بحق هذا الشعب من جرائم لن يسقط بالتقادم، ولأنهم يخشون الحساب ويرتعشون من الوقوف أمام العدالة التي تنتظرهم، ولم يع هذا النظام ومن تبقى حوله من سماسرة المال والسياسة أن الشعب اليمني كسر حاجز الصمت والخوف معاً ، وأصدر حكمه وأعلنها ثورة على الفساد والطغيان والإفقار وكبت الحريات، والطائفية، والمناطقية، والعنصرية، وعلى البلطجة، والتمييز، والعجز عن التغيير، أعلنها ثورة على البطء في اتخاذ القرار، وتكريس التبعية وإغلاق أبواب الأمل أمام ملايين اليمنيين، وماعلم أولئك السماسرة أن محاولاتهم اليائسة، وحيلهم المكشوفة لم تعد تنطلي على أحد ، وأن الشعب اليمني وصل إلى قناعة أن من يفسد ليس بمقدوره أن يصلح، وسيواصل احتجاجه، ولن يجعل جذوة الثورة تخبو، بل تزداد اشتعالا يوما تلو يوم، بلا كلل ولا ملل،وستمضي هذه الثورة حتى تحقق كامل أهدافها، وما ينبغي علينا فعله هو ألا نعبأ بما يقوم به هذا الطاغوت الذي غيّر ألوانه ووجهه آلاف المرات ليبقى جاثماً على أحلامنا وأمانينا وزهرة شبابنا.
صفوان الفائشي
صالح .. كل حيل البقاء!! 1999