يكتب صالح بيديه المشهد الأخير لحكاية حزينة، مكونة من فصول ثلاثة، ويضع نهاية سوداء لتاريخ أكثر سواداً، كئيب ملبد بالفساد، ويرسم طريقاً شاقاً سيعبره حافي القدمين، منكس الرأس وحيداً إلا من جرائمه وذنوبه، حاملاً على عاتقه أرواح طاهرة أزهقها متعمداً بدون حق.
سيرحل صالح، لكن إلى أين؟، إن مات فكيف سيقابل الجبار ملك الملوك وبأي لغة سيرد حين يسأله سبحانه لما قتلت عبادي وأفسدت في أرضي وهو القائل سبحانه ((هل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم, أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)).
وإن عاش، فكيف سيهنأ عيشه ويتلذذ بطعامه وأرواح الأبرياء تطارده وتنغص عليه حياته، كيف سينظر بعينيه إلى شعبه وأنين الثكالى والأيتام يملأ مسامعه ويمزق أرجاء روحه، كيف سيمحو صور القتلى من ذاكرته ويطرد رائحة دمائهم التي استنشقها من بين أنفاسه.
ويحك أيها الظالم، أيستحق البقاء على كرسي الحكم الملعون؟ وأن يموت الأبرياء وتغتال أحلامهم المشروعة في أن يجمعهم حضن وطن دافئ يشعرون فيه بالأمان وينعمون فوق ترابه بحياة كريمة وحرية منحها إياهم رب السماء والأرض، فكيف تغتصبها أنت منهم وبأي حق تولي نفسك حاكماً وجلاداً عليهم.
إن مت، فستحمل معك أوزاراً ليس بك طاقة على حملها، وأن عشت ستلاحقك اللعنات حيثما حللت، أنك تخط بيديك مصيرك في الدنيا وتبني بجرائمك منزلتك في الآخرة، فأي مصير كتب لك وأي نهاية سوداء تنتظرك.
أما الثوار، فإنهم ماضون في طريق النصر، يهبون دمائهم وأرواحهم في سبيل مستقبل أفضل لشعب بأكمله، فإن ماتوا، فهم الشهداء إلى جنان الخلد بإذن المولى، وإن عاشوا، فرافعي الرؤوس بعزة وفخر لأنهم صنعوا مجداً وحرية وطن.
فامضي أيها القاتل بغرورك، حاملاً عاراً وإثماً، وامضي أيها الثائر بعنفوانك، حاملاً روحك على كف وفي الأخرى وردة، إن مت، فقد غسلت بدمك عار أمة، وإن عشت، فاغرس وردتك في صحاري النفوس، لتنبت حباً وسلاماً في وطن ستشرق شمس عزته من جبينك.
جواهر الظاهري
المشهد الأخير لمأساة وطن 1902