يتجدد الجدل مرة أخرى حول معبر رفح بمناسبة إعلان مصر فتحها للمعبر بصورة دائمة ولذلك نود أن نؤكد مرة جديدة على الوضع القانوني للمعبر وفق أحكام القانون الدولي.
لا جدال في أن معبر رفح أرض مصرية وأن لمصر الحق الكامل في فتحه أو إغلاقه، لكن هذا المعبر هو المنفذ الوحيد لغزة على العالم الخارجي في وقت أغلقت فيه إسرائيل كل المنافذ تطبيقاً لسياسة الحصار الذي فرضته على غزة منذ فوز حماس بمعظم مقاعد المجلس التشريعي في انتخابات نزيهة، ثم أحكمت الحصار بمساعدة مصر منذ انفردت حماس بحكم غزة بصرف النظر عن الظروف والأسباب التي دفعت وأدت إلى هذا الانفراد، فأصبح الحصار خانقاً في الوقت الذي تحتاج فيه المقاومة إلى مقومات الحياة ومتطلبات المقاومة، ولكن مصر وإسرائيل أنكرتا على حماس الحق في المقاومة حتى يدفعاها إلى أن تقبل بشروط الاستسلام لإسرائيل حتى يسهل عليها التهام ما تبقى من فلسطين.
وهكذا دخلت مصر قبل الثورة في جدل وعداء مع حماس، تارة بحجة أنها لا تريد أن ترى حكماً إسلامياً في غزة حتى لا يشجع ذلك الإخوان المسلمين على تكرار التجربة في مصر خاصة وأن حماس – فيما تؤكد مصر مبارك- جزء من الإخوان المسلمين في مصر، فإذا كان الحكم الإسلامي يقف ضد المشروع الصهيوني، تصبح قضية إغلاق المعبر إحكاماً للحصار مصلحة مشتركة بين مصر مبارك وإسرائيل والولايات المتحدة، بينما سمحت مصر والعرب لأنفسهم بل والعالم كله أن يرددوا بحرية كاملة مقولة مملة وهى ضرورة رفع الحصار عن غزة، ولكن لم يتطرق أحد إلى التساؤل عمن يفرض الحصار أصلاً وهى إسرائيل ومصر.
ولذلك وضعت مصر العراقيل في وجه المرور إلى غزة سواء من ناحية المعبر المغلق أو الأنفاق التي بنت مصر خصيصاً جدار مبارك الفولاذي في أراضيها لإحكام الحصار بحجة حماية الأمن القومي المصري من التهريب والمخدرات عبر الأنفاق بل وقرر القضاء المصري أن بناء الجدار من أعمال السيادة الذي تنفرد الحكومة بتقريره دون سلطة للقضاء في تعقبه أو مراجعته، وهذا حق أريد به باطل، لأن القضاء لو رجع قليلاً إلى الأساس القانوني لإنشاء الجدار لوجد أنها مؤامرة تؤدى إلى جريمة إبادة سكان غزة، بدأتها إسرائيل والولايات المتحدة في الاتفاق الشهير "ليفنى – كوندا"، وزيريي خارجية إسرائيل والولايات المتحدة على التوالي في 19/1/2009 أي بعد وليمة محرقة غزة وبهدف تنفيذ عمليات منع الأسلحة ومصادر الحياة عن سكان غزة حتى يحقق هذا الحصار ما عجزت المحرقة عن تنفيذه، فكان الجدار أحد أشكال إجراءات إحكام الحصار رغم أن مصر مبارك اعترضت بشكل عرضي على إبرام الاتفاق بين الطرفين دون إشراك مصر لتنال شرف الجلوس مع المتآمرين ضد غزة.
ومع ذلك نفذ الجدار بتصميم وتمويل وتنفيذ أميركي وكأن أعمال السيادة للولايات المتحدة وإسرائيل واجبة على الأراضي المصرية التي لا تملك الحكومة إزاءها سوى الخضوع والانصياع، فكأن القضاء المصري حكم بأن بناء الجدار من أعمال السيادة الأميركية على الأراضي المصرية، وكان حريا به أن يأمر بوقف بناء الجدار لأنه جريمة إبادة وفق أحكام القانون الدولي، وأن يوازن بين مصلحة مصر الوطن وليس النظام الذي رهن إرادتها لصالح غيرها، وبين الضرر المحقق لسكان غزة.
لقد أمعنت مصر مبارك في البحث عن ذرائع تبرر به بناء الجدار، فزعمت أن فتح المعبر مستحيل لعدة أسباب قانونية، ظاهرها المنطق وباطنها التواطؤ مع إسرائيل ضد سكان غزة، وقد فندناها في حينه في كتابات متنوعة وظهور إعلامي مكثف، أما السبب الأول: فهو الزعم بأن مصر طرف في اتفاق المعابر الموقع في 15/11/2005 والغريب أن يعلن ذلك كذباً على لسان مبارك في بيان مهيب أكد فيه أن مصر تحترم التزاماتها الدولية حتى يوهم الشعب المصري أن إغلاق المعبر هو وفاء بالتزام دولي، وكان ردي عليه مباشرة هو أن مصر ليست طرفاً، وأنه لو كانت مصر جدلاً طرفاً في هذا الاتفاق، فإن الاتفاق وقع بين أطراف متآمرة تنفذ به جريمة ضد الإنسانية ولذلك، فإنه من المستقر في القانون الدولي أنه إذا كان الوفاء بالتزام تعاقدي يؤدى إلى جريمة دولية من هذا النوع الخطير، فإن وقف المشاركة في الجريمة أولى من الوفاء بمثل هذا الالتزام حتى لو كان الالتزام قد نشأ صحيحاً ثم تغيرت ظروف تنفيذه.
السبب الثاني، الذي ساقه مبارك للتذرع بإغلاق المعبر هو أن فتح المعبر بينما حماس على الجانب الآخر يعتبر انتهاكاً لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي تلزم مصر وفق مفهوم مبارك بالمحافظة على أمن إسرائيل، والذي يهدده فتح المعبر فتفشل خطة إسرائيل في خنق حماس وكأن هذا الخنق هو مشروع يجب أن يتم تطويع كل شيء له. والغريب أن إسرائيل احتجت على إعلان مصر فتح المعبر بذريعة أنه يهدد الأمن القومي الإسرائيلي ويشجع على الإرهاب، أي المقاومة، ويقوي خصمها وهو حماس التي وضعتها أوروبا والولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية، والرد على ذلك هو أن حماس تقاوم الاحتلال، ويؤكد القانون الدولي أن الاحتلال جريمة، بينما المقاومة حق، خاصة إذا كان الاحتلال مؤبداً بحجة استرداد الحق والأرض لليهود.
السبب الثالث، الذي ساقه مبارك هو أن فتح المعبر يشجع حماس على المضي في الانفصال والخروج على سلطة أبو مازن التي يعترف بها المجتمع الدولي، كما يعد اعترافا بحماس مما يفاقم الانقسام الفلسطيني ويعد تدخلا في الشأن الداخلي الفلسطيني، ولذلك قررت مصر مبارك أن الحل هو المصالحة على مذهب السلطة وتطويع حماس، وقد كتبت يومها أطالب بفصل احتياجات سكان غزة التي يحميها القانون الدولي عن مهزلة المصالحة التي لم يكن لها أي أفق، وذلك بعنوان "حتى لا ترتهن حياة غزة بمصالحة مستحيلة".
بعد الثورة في مصر، صارت المصالحة ممكنة وأصبح فتح المعبر قرارا مصرياً مستقلاً رغم حالة الصرع التي أصابت إسرائيل، وتستند مصر في فتح المعبر إلى قرارها المستقل وإلى تفاهم مع طرفي الخلاف الفلسطيني، وإلى رغبة أكيدة لدى مصر الثورة في التضامن مع أهلنا في غزة وكل فلسطين وهو الأمر الطبيعي الذي لم يكن كذلك في مصر مبارك، والسبب الرابع والأهم، هو أن فتح معبر رفح يعبر عن حرص مصر في ألا تشارك في جريمة الحصار وهى من جرائم الحرب، فأصبح فتح المعبر التزاماً قانونياً مزدوجاً على مصر، طرفه الأول الوفاء بالتزام قانوني في اتفاقية جنيف الرابعة، وطرفه الثاني أن تنأى بنفسها عن المشاركة في حصار تؤكد كل دول العالم ومجلس الأمن أنه جريمة دولية.
تحية لمصر الثورة مهما ارتفع عويل المتآمرين.
عبدالله الأشعل
الضرورات القانونية والسياسية لفتح معبر رفح 2537