وحدهن النساء يستطعن أن يشرقن كالشمس بعد الغروب، وحدهن يستطعن رسم الغسق حول هامة الانطفاء ويقفن كسارية تحملُ أغصاناً ذابلة هبت كحلم فاتر على صحراء الذاكرة، وحدهن النساء يستطعن أن يبدأن كليل وينتهين كنهار، وحدهن يستطعن أن يغرقن العرين بالطمأنينة لأنهن يعلمن جيداً أن الأسود لا تثبت مرتين في ليلة واحدة!.. ويعلمن أيضاً أن الأسود لا تركض طويلاً لتلحق الفطام كما تفعل الكلاب! ويعلمن أكثر أن وليمة الضباع المتعفنة لا ترضي شهية الأسود في وجبة طازجة.
النساء يعلمن الكثير مما يظن الرجال أنهن يجهلنه، لكنهن لا يجرؤون على البوح بقصص من آلام يعشنها قانعات بسراب المفردة، وشحة المعنى وانعدام الشعور بالمحيط، النساء هن النساء مهما بلغت مساحة الإمبراطوريات الشائكة التي يعتلين عروشها، تصبح المرأة ملكة تهز عرش شعبها بإصبع واحدة، لكنها تمشي كجارية مقيدة بسلاسل الشك والغيرة والعواطف الكاذبة التي يتقن رجال الكون أداء تفاصيلها بعناية وهم يرتدون ثياب الوقار، الكبرياء والشرف، وحدهن النساء يعرفن متى وكيف يفجرن قنابل الحب والأنوثة، فحين يشعرن بالأمان يتلاعبن مع شركائهن كرجال، وحين ينتابهن الخوف يتعاملن معهم كبشر، قد تنضحُ قلوبهم بالإنسانية.
وحدهن النساء يستطعن أن يسكبن التاريخ في قمقم اللحظة ويحبسن ما رد الفضول في مسحة واحدة على مصباح الهوى ويغنين للغول حتى ينام؟ وحدهن يستخدمن مبضع الجراح في تذيب نواياهن المحتدمة شوقاً، ووحدهن يرجعن علقم الانكسار في غيبوبة عاقلة، ووحدهن يجدن رتق أوراقهن المتعثرة في ملفٍ واحد فتقت حواشية بمقص البراءة والعفوية ومنتهى الحب.
هن فقط يستطعن أن يهدهدن شفاة أبي الهول ويجلسن على قمة الأهرام يحملن سور الصين العظيم على ظهورهن ويعدلن برج بيزا بنفخة واحدة ثائرة تدفعها شفاههن كعاصفة، وحدهن يصنعن الكلمات على نار البعد، ويغسلن الحروف بماء الهجر ونثرن بهار الوصل على حساء أمنياتهن ويرشقن كؤوس الود خاوية! وحدهن يتجمدن كقوالب الحلوى ويتشربن بالسكر ككرات البوضة وتيقاطرن شهداً وهن وئيدات الخطى إلى طعم الحرية.
وحدهن يؤسرن كسبايا حرب في سلسلة طويلة من الهم، لا تترلهن لن الأيام فرصة استنشاق نسمات الراحة والتمتع برذاذ السمو، يرفعهن من مستنقعات الذل إلى سماوات الكرامة، ومع هذا يستطعن وحدهن اختراق الضباب والدوران في قلب العاصفة وكسر حواجز الذهول والعودة من جديد، يعدن كلألئ في محار لم يطمث طهار قلوبهن أحد من قبل ولا من بعد، وحدهن فقط يتراقصن كأعواد الدخان راكعات فيوجهه الأثير.
النساء قصة بداية وأقصوصة ابتداء وحبكة كوميديا تراجيدية.. تسكب الدمع على البسمات لتصنع شراباً سائغاً للعطش من نصف القصة ونهاية الأقصوصة التي ابتدأت بطين وروح وطاعة وانتهت قبل أو أنها بنار وورقة شجر ومعصية، ونساء ورجال يمشون على الأرض، يتفيأ كل منهم ظل الآخر، لكن الظلال المتحركة لا تقي الوارفين من حرارة الشمس مهما بدأت أغصانها متشابكة حد التماهي والذوبان.. النساء وحدهن يستطعن أن يصنعن ظلالاً دون أن تكون لهن أغصان لأن قلوبهن غاباتً دوحٍ باسقات تحط على أغصانها الطيور دون أن تصنع لها أعشاشاً.
ألطاف الأهدل
وحدهن النساء!... 2369