لم يتعرض أي مفهوم للاختلاف والتباين كما تعرض له مفهوم الإرهاب, فالخروج بتعريف دولي موحد للإرهاب يمكن اعتباره بحد ذاته انجازاً يحسب للمجتمع الدولي, إلا أن ذلك بعيد المنال نظراً لما ينطوي عليه تعريف الإرهاب من توجهات سياسية لاحقة, ومن هنا تسعى كل دولة إلى صياغة تعريف للإرهاب ينبثق من منطلق مصالحها الذاتية.
تذهب مجمل الرؤى في تعريفها للإرهاب إلى تحديد ثلاثة عناصر أساسية وهي الفعل، ومرتكب الفعل, والهدف من الفعل, فالفعل يكون عمل إجرامياً أو استخداماً متعمداً للعنف أو الاعتداء، ومرتكب الفعل يكون فرداً أو جماعة أو دولة، والهدف من الفعل يكون إثارة الخوف أو الفزع أو الرعب لدى شخصيات معينة أو جماعة أو جمهور, ويسعى إلى إجبار سلطة ما كالدولة أو منظمة دولية على تنفيذ أهداف معينة.. ويذهب البعض إلى أن مختلف أعمال المؤتمرات الدولية لتوحيد القانون الجنائي تخلص إلى أن هناك ثلاثة عناصر تحدد مفهوم الإرهاب. وهي الرعب والهيمنة ونية مرتكب الفعل.
وهناك من يستحسن وجود تمييز بين أنواع الإرهاب مثل إرهاب الماضي والإرهاب المعاصر، وبين الإرهاب المحلي والإرهاب الدولي، وبين الإرهاب الفردي وإرهاب الدولة، وكذلك بين الإرهاب المادي والإرهاب الفكري، ولكل أدواته وأساليبه وأهدافه.
نشوء التنظيمات الإرهابية
يعتبر الإرهاب ظاهرة ذات منشأ سياسي, فهي ظاهرة سياسية منظمة, ترتبط بالحركات السياسية، أما نظرية نشوئه كما يراها البعض فيمكن إجمالها فيما يلي:-
- يظهر الإرهاب نتيجة لوجود نزاعات تتناسب طردياً مع زيادة عدم الوضوح الاستراتيجي لأطرافها, ما يؤدي إلى ظهور ونمو تيارات وقوى راديكالية تحاول التحصن بخلفياتها الثقافية والعقائدية والأيدلوجية.
- بواسطة قوة ثالثة لا تلبث أن تتحول إلى جماعات متطرفة ومنظمات إرهابية , وغالباً ما تكون العلاقة بين كل من القوة الثالثة والقوى الإرهابية معقدة وغير مباشرة، كما يمكن أن تكون علنية نسبياً في بعض الأحيان ,لذلك غالباً ما يكون الاتفاق مع الإرهابيين أمراً مستحيلاً.
- لظاهرة الإرهاب تأثير معدٍ فغالباً ما يقابل ظهور التنظيمات الإرهابية قيام تنظيمات إرهابية مجاورة أو مقابلة لها.
- يمكن أن يتم إلصاق صفة الإرهاب بجماعة ما لتبرير الإرهاب ضدها.
- التوجه الراديكالي والتحول إلى الأصولية في العالم الإسلامي يظهر كرد فعل على الغزو الثقافي أو كرد فعل على الظلم والتدخل العسكري في هذه البلدان.
المسوغ القانوني الدولي لمكافحة الإرهاب
تتصف الجرائم الدولية بصنفين, أولاهما : أن الفعل يسـبب ضرراً لمصلحة مشـتركه للمجتمع الدولـي أو يخالف القيم الإنسانية المتفق عليها لدى المجتمع الدولي , وثانياً : غن ارتكاب هذه الأفعال قد يسبب خطراً على المجتمع الدولي أو يخل بالأمن أو السلم الدوليين، وهناك عدد من الجرائم متفق عليها في ظل القانون الدولي يحق لكل دولــة أن تمارس إزاءها اختصاصاً جنائياً بغض النظر عن جنسية مرتكبها أو ضد من كانت أو مكان ارتكابها كجرائم القرصنة، وهناك توجه دولي بما يشبه الإجماع يذهب إلى أن الإرهاب يعد جريمة تقع ضمن نطاق هذه الجرائمن ويكتسب الفعل الإرهابي صفته كجناية دولية من اعتراف الدول بهــــذه الصفة .
أهداف العمليات الإرهابية ( 11 سبتمبر) نموذجاً
هناك اعتقاد بأن أهداف العمليات الإرهابية تتميز بعدم وضوح الإستراتيجية, يتضح ذلك من خلال غياب الأهداف السياسية التي تسعى لتحقيقها هذه العمليات ، وتوصف هذه الأهداف بأنها ليست أكثر من مجرد التعبير عن الكراهية والرفض للسياسة التي تتبعها دولة ما تجاه قضايا معينة، فأحداث الحادي عشر من سبتمبر على سبيل المثال كانت تهدف إلى التعبير عن كراهية ورفض السياسة الأمريكية، بالإضافة إلى تحدي وضرب هيبة الولايات المتحدة ومكانتها، وإظهار انكشافها الأمني الداخلي رغم تفوقها الساحق في كافة مقومات القوة الشاملة، جنباً إلى جنب مع محاولة إشعال فتيل مواجهة حضارية بين الشرق المسلم والغرب المسيحي المؤيد لإسرائيل.
السياسة الأميركية تجاه الإرهاب
طرح هنري كيسنجر وجهة نظر تقوم على أن هجمات 11من سبتمبر يمكن أن تمثل نقطة تحول في صياغة النظام العالمي للقرن الحادي والعشرين، حيث أنها أدت بصورة واضحة إلى تعزيز المكانة العالمية للولايات المتحدة ودفعت القوى المنافسة مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وروسيا الاتحادية والصين والهند إلى التعاون بصورة وثيقة مع الولايات المتحدة، كما أعطت الضوء الأخضر للولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ سياساتها في الشرق الأوسط، وقد تم تنفيذ المخطط الأمريكي من خلال مفهوم بوش الذي صرح به حين أعلن الحرب على ما يسمى بالإرهاب في مقولته "من لم يقف معنا فهو ضدنا ".
وهنالك من يرى أن التصعيد السياسي في العلاقات الدولية الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية ما بعد أحداث سبتمبر أدخلت العالم إلى مرحلة جديدة، حللها بعض المراقبين على أنها مرحلة التغيير للخريطة السياسية والاقتصادية للكثير من مناطق العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال مشاريع سياسية ضخمة أعدتها الولايات المتحدة وحصلت على دعم من الدول الصناعية الكبرى، ومن أبرز تلك المشاريع " مشروع الشرق الأوسط الكبير", فضلاً عن تبني سياسات معادية ومتطرفة ضمن الحملة التي سميت بالحرب على الإرهاب، وقد أدت هذا المشاريع والسياسات إلى السرعة في المعطيات والأحداث التي تهدف إلى تغيير الخريطة الشاملة للشرق الأوسط وفق المصلحة الدولية التي تديرها الولايات المتحدة، كما أعطت الحرب على الإرهاب الفرصة للحكام المستبدين للتقرب من القطب الأمريكي، وعطلت عجلة التغيير السياسي في المنطقة، والاستمرار في العلاقات غير المتوازنة والتبعية للسياسات الدولية بصورة لا تراعي الظروف التي تمر بها الشعوب في المنطقة من البؤس والتخلف وغيرها:
استغلال الدول الكبرى لمفهوم الإرهاب
اعتمدت الولايات المتحدة عدداً من المفاهيم عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر واستخدمتها لتحريك وتبرير عدد من وسائل تنفيذ سياستها الخارجية تجاه العالم, فقد استنسخت وطورت من مفهوم الإرهاب عدداً من المصطلحات أهمها "مكافحة الإرهاب" ذو المدلول الأمني و"الحرب على الإرهاب" ذو المدلول العسكري "والقضاء على الإرهاب" كمدلول سياسي . وقد ارتبط مفهوم الحرب على الإرهاب بمصطلح "محور الشر" وارتبط مفهوم مكافحة الإرهاب بما سمي "بالإرهاب الإسلامي أو الأصولي" كمرادف للإرهاب الدولي أو العالمي، وهناك اعتقاد بأن ربط الإرهاب بالإسلام يؤدي دوراً فيما يسمى بصراع الحضارات ( الديانات) والذي يرتبط معه بدوره مفهوم القضاء على الإرهاب.
تداعياتها انعكست على مفاهيم العلاقات الدولية
صاحب وجود تلك المصطلحات عودة قوية لبعض مفاهيم العلاقات الدولية والتي أهمها:-
· "الحرب الإستباقية " والتي تعني إمكانية استخدام القوة العسكرية وشن الحرب بمعزل عن أي شرعية دولية، وخير مثال على ذلك تزامن ظهور هذا المفهوم مع إعلان الإدارة الأمريكية لما سمي " محور الشر" المكون من العراق وإيران وكوريا الشمالية وإعلان الحرب على العراق عام 2003م دون الرجوع للأمم المتحدةـ وإبقاء خيار القوة مفتوحاً تجاه ما تبقى من دوله.
· السعي إلى بلورة مفهوم يعد شديد الحساسية في العلاقات الدولية والمتمثل في "من ليس معنا فهو ضدنا" وارتباط استخدامه بالواقع السياسي بمعنى الحاجة إلى توفر مقومات القوة اللازمة لطرحه, باعتبار أن استخدامه متاحاً فقط من قبل القوي على الضعيف.
· مثلت عودة قوية لنظرية " المؤامرة " بمؤازرة مفهوم من ليس معنا فهو ضدنا وبالتالي نتج مصطلح " التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ".
· تجلى بوضوح الاستناد على نظريات "القوة" و "المصلحة" ومفهوم "الغاية تبرر الوسيلة".
تداعيات الحرب على الإرهاب على العلاقات الدولية
نتج عن ما سمي بالحرب على الإرهاب عدد من الانعكاسات أهمها:-
· كما حدث مع العراق، حيث كان هناك تغييب واضح لدور منظمة الأمم المتحدة الذي يجب أن تضطلع به في حل المشاكل السياسية والنزاعات الدولية، وكذلك استخدام مصطلح الإرهاب لإضفاء الشرعية على عدد من الممارسات غير الشرعية كالاحتلال.
· نجحت الولايات المتحدة في استخدام عدم الاستقرار السياسي في إدارة العلاقات الدولية، وقد انعكس ذلك بوضوح على عدد من الملفات في منطقة الشرق الأوسط، أهمها الملف الفلسطيني والملف اللبناني والخروج بحلفين أساسيين في المنطقة هما حلف الاعتدال وحلف الممانعة.
· استغلال الحرب على الإرهاب من قبل العديد من الأنظمة السياسية في بعض الدول وخاصة العربية لتهديد وقمع خصومها، في صورة دروس مستفادة من استغلال أمريكا لهذا المفهوم في قمع بعض الأنظمة السياسية.
· في ظل الثورات العربية المتلاحقة هناك تعمد من قبل الأنظمة العربية في استغلال ما يسمى بخطر القاعدة واستيلاء الجماعات الأصولية على الحكم في محاولة لإثارة مخاوف الغرب على مصالحهم وكسب تأييدهم ضد شعوبهم الثائرة.
· وهما حدث في قضية معتقلي سجن ”جونتانامو" أو يحدث الآن في قضية الفتاة اليمنية "حسناء " المعتقلة في سجون العراق ـ يلاحظ جنوح بعض الأنظمة العربية ومنها اليمن إلى استغلال ما يسمى بالإرهاب في تغطية عجزها عن استخدام دبلوماسيتها وسياستها الخارجية في تحقيق التزاماتها الدستورية تجاه مواطنيها المعتقلين لدى دول أخرى بتهم الإرهاب.
الأثر الأخلاقي لاستخدام مفهوم الإرهاب
إن إلصاق صفة الإرهاب بجهة ما تنطوي على عدد من الأمور أو الأحكام أهمها:-
1. غياب أي التزامات دولية تجاه الجهة الموصوفة بالإرهاب.
2. تبرير ممارسة الإرهاب ضد هذه الجهة.
3. غياب الالتزامات القانونية و الأخلاقية و الإنسانية تجاه من يحاربها.
4. نزع الحقوق المشروعة عن الجهات والأشخاص الموصومين بالإرهاب.
5. تترافق معها انتهاكات لحقوق الإنسان.
باحث في العلوم السياسية
خالد حسن العقبي
الإرهاب والسياسة الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2367