أعلنت الولايات المتحدة فجر يوم 2/5/20011 على لسان الرئيس أوباما نفسه بأن قواتها في باكستان قد قتلت بن لادن بطلقة في رأسه، ثم أعلنت بعد ذلك أن جثته قد دفنت في البحر، توالت ردود الأفعال على مقتل بن لادن ويهمنا منها رد الفعل الإسرائيلي، فقد هنأت "تسيبي ليفنى" الشعب الأميركي بمقتل بن لادن، أما وزير خارجية إسرائيل "ليبرمان" فقد أعلن عن سعادته لأن مقتل بن لادن خفف عن إسرائيل ما كانت تخطط له القاعدة من التواجد في الضفة الغربية وغزة.
فإذا كان أوباما بدا منتصراً لهذا العمل حتى ترجح كفته في انتخابات التجديد للرئيس بعد أقل من عامين ومع بدء حملته الانتخابية المبكرة، فإن معنى مقتل بن لادن أن أوبانا حقق ما عجز عنه بوش صاحب الحملة الدولية لمقاومة الإرهاب الذي تقوده القاعدة برئاسة بن لادن، أي أن الديمقراطيين الذين اتهموا باللين في مواجهة الإرهاب هم أكثر فعالية في ضرب رأس الإرهاب، وهذا أمر يمكن فهمه في السياق الأميركي الذي شد نظامها الرأي العام بحدة إلى مخاطر القاعدة منذ هجمات سبتمبر التي لم يقم دليل واحد حتى الآن يؤكد أن القاعدة هي التي قامت بهذه الهجمات.
وقد دفع العالمان العربي والإسلامي ثمناً باهظاً لهذا العمل الذي لم يرتكبوه بينما جنت إسرائيل كل الثمار إذ تشير أصابع الاتهام إلى دور الموساد والمخابرات الأميركية في صناعته، أما على المستوى الدولي، فليس هناك ما يشير إلى أن مقتل بن لادن سوف يؤثر على القاعدة، فقد قتل عدد من قادتها الميدانيين ومع ذلك تطالعنا الأنباء بعملياتها المدمرة في الساحات العربية.
وراء هذا المشهد الذي يريد الإعلام الغربي أن يحشرنا فيه، ماهو أثر القاعدة على الولايات المتحدة وإسرائيل؟ منذ تفجير السفارات الأميركية في كينيا وتنزانيا في نهاية القرن الماضي، ظهر اسم القاعدة الذي عرفناه أصلاً من الإعلام الأميركي بعد ذلك بثلاث سنوات عام 2001 وليس في التحقيقات الأميركية أي دليل، وإنما استندت كل التحقيقات إلى اعتراف منسوب لبن لادن بأن تنظيم القاعدة هو الذي نظم ما أسماه "غزوة نيويورك".
صحيح أن المشهد العام يشى بأن الصراع بين الهيمنة الأميركية واحتلالها لدول عربية وإسلامية ودعمها لإسرائيل، وبين رفض هذه الهيمنة، بأن القاعدة تعادى هذه الهيمنة، والصراع بينهما متصل، ولكن المتأمل في عمليات القاعدة ومساحاتها يرى بوضوح أنها تتخذ من الساحات العربية في السعودية والعراق واليمن والجزائر والمغرب وغيرها مسرحاً رئيسياً لهذه العمليات، فما هو الضرر للمصالح الأميركية والإسرائيلية التي نذرت القاعدة نفسها للتصدي لها؟ لقد أضرت القاعدة بالمقاومة العراقية، وصار التهديد الأميركي والإسرائيلي بوجودها في مكان ما مبرراً للوجود العسكري الأميركي، فما دامت القاعدة موجودة في أي مكان في الأراضي العربية ادعت واشنطن أنها هي التي تتصدى لها، حدث ذلك في اليمن عندما أصرت واشنطن على وجود القاعدة مما يبرر قيام واشنطن دون إذن اليمن أو التشاور معها بضرب أهدافها حتى كاد اليمن أن يعلن أنه لا وجود للقاعدة في أراضيه حتى لا يتحول اليمن إلى باكستان أو أفغانستان أخرى.
كذلك لوح القذافي بأن ثوار ليبيا مدعومون من القاعدة وأن رحيله سيعجل باستقرار القاعدة في ليبيا، وذلك أملاً في أن تبقى عليه واشنطن، ويبدو أن هذه اللعبة التي يفهمها الطرفان قد سادت وأصبح الثوار كالأيتام على مآدب اللئام.
وعندما احتلت واشنطن العراق قدمت ضمن مبررات الاحتلال مطاردة القاعدة التي زعمت أن صدام حسين استقدمها إلى العراق، ومادامت واشنطن متخصصة في التعامل مع القاعدة وأن القاعدة مجرمة في القانون الدولي والأميركي، فهي الأحق باحتلال كل مكان يظن أن القاعدة قد استقرت فيه، في مصر عندما وقعت تفجيرات سيناء الثلاثة في أعوام ثلاثة متعاقبة في نفس التوقيت ـ طابا- شرم الشيخ – دهب كان واضحاً أنه الموساد، فأدى التنسيق الأمني بين وزارة الداخلية المصرية وإسرائيل إلى أن يصدر العادلى ـ وزير الداخلية حينذاك بياناً مبكراً بناء على مشورة إسرائيل بأن التفجير من عمل القاعدة، فلما أدرك العادلى أن هذا الإعتراف يعنى أن مصر عاجزة عن حماية سيناء مما يبرر احتلال الناتو لها بزعم تأمين إسرائيل تراجع عن هذا الاعتراف في أقل ما ساعة.
وفي غزة زعمت السلطة الفلسطينية وإسرائيل أن القاعدة قد تسللت إلى غزة، حتى تعطى إسرائيل الذريعة لغزو غزة لتخليصها من القاعدة، والمعلوم أن هذا الاتهام ظل يطارد حكومة غزة ضمن حملة الضغط عليها لإسقاط حماس، وإذا كانت القاعدة فعلاً قد نذرت نفسها لمحاربة اليهود كما تردد دائماً، فلماذا لم تتمكن من الإضرار بإسرائيل؟ ولماذا فرحت إسرائيل كما تدعى بقتل بن لادن، وربما ادعت إسرائيل بعد ذلك أن الموساد هو الذي قدم المعلومات التي أدت إلى قتله.
والطريف أن مقتل بن لادن، وبن لادن نفسه والأخبار والأشرطة وكل ما يتعلق به صناعة أميركية وتظاهر العالم كله بأنه يصدقها لدرجة أن قضية قتله في باكستان لم تعلم عنها السلطات الباكستانية شيئاً، فهل قتل فعلاً، أم قتل منذ مدة ولكن اختارت واشنطن توقيت الإعلان.
على أية حال، فإن ضرر القاعدة لم يفارق المنطقة العربية ولم يمس المصالح الأميركية والإسرائيلية، كما أن القاعدة بدون بن لادن لن تندثر خاصة إذا صدق الظن بأن القاعدة هي الموساد وإلا فليدلنا أحد على خدمة واحدة قدمتها هذه القاعدة للإسلام والمسلمين.
المسرحية بين إسرائيل والولايات المتحدة تطلبت أن تهنئ ليفنى الشعب الأميركي وهذا يذكرنا بما فعله شارون عندما فضح نفسه فقد أعلن عن عملية الطائرة الثانية قبل أن تنطلق، فأدان في تصريح شهير ضرب برج التجارة العالمي بطائرتين رغم أن الفارق الزمني بين الأولى والثانية كان نصف ساعة تماماً، لهذا كان شارون يدخل الرعب في قلب بوش، وتمكن لخوف بوش أن يبوح شارون بالسر الرهيب ضد الشعب الأميركي الذي يدفع الضرائب لتمارس إسرائيل جرائمها ضد الفلسطينيين من أن يلجم بوش ويحصل على ما يريد، وكان آخر عطاءاته خطابات الضمان في 14/4/2004 الشهيرة، ولذلك لأمر ما شاء الله أن يبقى شارون حياً ولكنه عاجز عن الحركة والنطق ومن يدرى فلعله ينطق بما دبره بليل مع شريكه بوش الصغير.
فمتى ينتهي مسلسل القاعدة وبن لادن من قاموس حياتنا بعد أن أصبح المسلسل مملاً وحقائقه مكشوفة، فماذا يضيرنا إن بقى بن لادن حياً أو ميتاً، المهم أن الإرهاب يضرب بلادنا نحن وليس إسرائيل أو الولايات المتحدة.
عبدالله الأشعل
أسطورة القاعدة .. في الإستراتيجية الأميركية 2197