المؤكد أننا تأخرنا كثيراً، فهذه الثورة كان من المفترض حدوثها قبل الوحدة أو بعدها ، أما وقد عشنا كل هذا الوقت خارج سياق ثورات العصر الواقعة في أوروبا الشرقية نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات، قبل أن تتمدد وتتسع لتصل إلى دول أميركا اللاتينية وشرق آسيا خلال الخمسة عشر سنة الفارطة .
ربما مثَّل التوحد عام "90م" طريقة ناجعة حالت دون وقوع ثورة شعبية في الشمال أو الجنوب ، ففي ظرفية كتلك، التي عصفت رياحها الإصلاحية بكيانات عملاقة كالاتحاد السوفيتي أو اليوغسلافي أو الأندينوسي كانت الوحدة بمثابة الثورة المعجزة ، ألا يكفي أن اليمن توحد سلمياً وفي وقت تتهاوى فيه كيانات موحدة ؟.
هذه الوحدة بلا شك عدت ثورة موازية للثورات الحاصلة في أكثر من مكان ؛لكنها بالنسبة لليمنيين كانت ثورة ثالثة على مخلفات ورواسب النظامين الثوريين في الجنوب والشمال ، هذه الثورة للأسف لم يتسنى لها تحقيق آمال وطموحات المجتمع اليمني إذ سرعان ما تم إجهاضها ووأدها وهي في مهدها .
فما من ثورة في التاريخ إلا وتواجه بثورة مضادة ، الوحدة أظنها كذلك، فبقدر ما عدها اليمنيون ثورة على العهد الشطري البغيض وعلى نظاميه القمعيين ؛ كان بالمقابل هناك من يضمر ويعمل على قتل هذه الثورة الثالثة المنجزة سلماً ودونما قطرة دم سائحة أو دمعة حزن نائحة .
مأساة هذه الثورة أنها جاءت ملبية لرغبة الموحدين الطامعين بالسلطة أكثر من أن تكون من أجل الغالبية المتوحدة ، ما وقع بعدئذ من أزمة وحرب وما نتج عنهما لا علاقة له بالشعب اليمني الموحد من قبل أن يخلق الموحدون بل يمكن القول أن ما حدث يعد نتاجاً لغياب الحامل الحقيقي المجسد لهذه الوحدة ، فكونها ثورة فذاك يعني التغيير لمجمل الممارسات البائدة ، ولكن بما أن هذا الحامل لا يرتقي لمصاف الإنجاز فإنه إذن لمن الطبيعي إجهاض ثورة الوحدة .
ما يجري اليوم في اليمن هو ثورة رابعة ، فحين فشلت الثورات الثلاث 26سبتمبر و14 أكتوبر و22 مايو في تحقيق أهدافها ومبادئها المدنية والعصرية ، كان ولابد من هذه الثورة أن تقوم قبل هذا التاريخ بكثير .
فالواقع أننا كنا ننتظر هذه الثورة الشعبية التي من شأنها نقل اليمن من حالته المأزومة والمتردية والمتفككة إلى حالة مستقرة ومزدهرة ، ومع طول انتظار لم تعد الثورة اليوم ترفاً أو بدعة أو نزقاً ثورياً طائشاً كما يحاول الإعلام الرسمي تصويره لبسطاء الناس، بل هذه الثورة صارت ضرورة وحتمية لليمن ووحدته واستقراره .
ففي كل الأحوال نحن إزاء لحظة ثورية فاصلة، فإما أن تكون هذه الثورة بداية لانطلاقة اليمن الجديد المختلف كلياً عمَّا عجزت عن إنجازه الثورات الثلاث وإما أن يستطيع الحُكم -بما عُرف عنه من مكر وحيلة وتبديد لمقدرات البلد وتأزيم الأوضاع – في إعاقة مسار الثورة التي شارفت على بلوغ النهاية بحيث يمكن لها إن تراجعت الآن الانحدار إلى ما هو أسوا من فشل كل الثورات .
محمد علي محسن
ثورة طال انتظارها 2417