عندما تقدمت دول الخليج العربي بمبادرتها لحل الأزمة المتفاقمة في اليمن، اعتقدت بأن الأوضاع نضجت، وأن الطرفين وصلا إلى طريق مسدود ويحتاجان إلى وساطة لإخراجهما إلى بر الأمان، من حيث توفير ممر آمن للرئيس/ علي عبدالله صالح للخروج بشكل كريم من البلاد إلى المنفى الفخم في المملكة العربية السعودية بالقرب من الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، ولكن الحسابات الخليجية هذه ثبت عدم دقتها، وعادت الأوضاع إلى المربع الأول مجدداً.
الرئيس/ علي عبدالله صالح لا يرفض أي وساطة من أي طرف من خلال الإيحاء بأنه زاهد في الحكم، ويريد التقاعد بعد 32 عاماً من رئاسة البلاد، ولكنه في واقع الأمر يريد الاستمرار لأطول فترة ممكنة، أو على الأقل حتى انتهاء فترة ولايته عام 2013، وهو الأسلوب نفسه الذي اتبعه كل من الرئيسين التونسي بن علي والمصري حسني مبارك دون أن ينجحا في ذلك، وما زال من غير المعروف ما أذا كان الرئيس اليمني سينتهي النهاية التي انتهيا إليها أي الرحيل مبكراً، أم سيستمر في الحكم لمدة عامين آخرين حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
بالأمس خرج علينا السيد عبدالله أحمد غانم -رئيس الدائرة السياسية في حزب المؤتمر الحاكم- في تصريح صحافي إلى وسائل الإعلام قال فيه: أن الرئيس لن يستقيل من منصبه ألا أذا نفذت أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) التزاماتها التي وردت في المبادرة الخليجية التي تتعلق بإنهاء الاعتصامات والتمرديين العسكري والحوثي.
طلب السيد/ غانم الذي يعتبر من صقور الحزب الحاكم يبدو تعجيزياً في جوهره ومظهره، لأن إنهاء الاعتصامات والتمرديين العسكري والحوثي يعني عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورة الشعبية اليمنية، وتعزيز مكانة الرئيس، وحرمان أحزاب اللقاء المشترك من أي ورقة ضغط حقيقية، لتغيير الحكم باتجاه الإصلاحات الديمقراطية، وإقامة دولة المؤسسات والحكم الرشيد التي يتطلع إليها الغالبية الساحقة من أبناء اليمن.
فإذا كان الرئيس/ علي عبدالله صالح الذي يملك الجيوش والطائرات والأسلحة الحديثة والمال وفوق كل هذا وذاك الدعم العسكري والسياسي السعودي قد عجز في القضاء على تمرد الحوثيين في منطقة صعدة، فهل يعقل أن تنجح أحزاب المعارضة فيما فشل فيه الرئيس؟
وزراء خارجية دول الخليج الذين اجتمعوا في الرياض يوم الأحد الماضي رفضوا الاعتراف بفشل مبادرتهم، وهي عادة عربية على أي حال، وقرروا إيفاد السيد عبداللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي مرة أخرى إلى صنعاء في محاولة لإيجاد مخرج ما ينقذ ماء وجه المبادرة وأصحابها، ولكن من غير المتوقع أن يحقق أي اختراق قريب بالنظر إلى استمرار التشدد في موقف الرئيس اليمني وحزبه الحاكم.
ما نخشاه أن ينفد صبر المحتجين في ميدان التغيير، ويسقطوا بالتالي في مصيدة الرئيس أي اللجوء إلى السلاح، وبما يؤدي إلى تحول ثورتهم السلمية إلى تمرد عسكري تماماً على غرار ما حدث في ليبيا. فاليمن غابة سلاح، وهناك توجهات داخل بعض الجماعات المتشددة في المعارضة تدفع في اتجاه الحرب، والمأمول أن يتم كبحها، لان انتصار الثورة اليمنية الشعبية يكمن في سلميتها وطول نفس وحكمة قيادتها، لأنه ليس هناك أسهل من الاحتكام إلى السلاح، وليس هناك أصعب من الخروج من الحرب الأهلية في حال اشتعال فتيلها.
* نقلاً عن القدس العربي
رأي القدس
اليمن: مبادرة خليجية تترنح 2100