ما كان حلاً.. يصبح جزءاً من المشكلة، هكذا تبدو الصورة حينما يُؤتي على ذكر المبادرة الأخيرة التي تقدمت بها دول مجلس الخليج العربي، ومع أن هذه المبادرة لم تلق قبولاً من الشارع، إلا أن البعض في قرارة أنفسهم كانوا يبحثون فيها عن بصيص أمل يجنب اليمن أي مآل سيء لا سمح الله، لكن هذه الآمال ذهبت هباءً منثوراً، ما أن بدأت تتكشف معالم هذه المبادرة التي شاب بنودها الكثير من الخلل والغموض وعلى الرغم من عدم وضوحها ووضوح الضمانات التي قدمت لإلزام الطرف المعني بمضمون المبادرة، إلا أنه تم قبولها من قبل النظام والمعارضة على السواء.
النظام لم يُقر بها حقيقة، بل جعلها إحدى مناورات علي صالح، الرجل الذي من الصعوبة التعامل معه والتنبوء بما سيقدم على فعله.
كان البعض قد امتعض من قبول أحزاب اللقاء المشترك للمبادرة الخليجية، وفي ذات السياق آخرون وجدوا أنه لابد من أن يأتي الحوار السياسي أُكله ويستنزف كل أطروحاته، ووجدوا أنه من الضروري أن يكون الجانب الدولي شاهداً على تنصل علي صالح من التزاماته، ليقف فيما بعد إلى جانب الشباب، إذا ما أقدموا على أي خطوة تصعيدية وليس إلى جانب هذا النظام، الذي انتهك الأعراف والقوانين الدولية، لترفع عنه الحصانة الدولية وغطاء الدعم الأجنبي ليسهل تنحيه عن الحكم فيما بعد.
لكن من يضمن الجانب الدولي ومن يراهن على وقوفه مع الشعوب، خصوصاً وأنه لا يتكلم إلا حيث وجد مصالحه، فهو لا يعطي بالاً بمن يتقل أو يجرح أو يُختطف وينكل به، فجميع المبادرات لم تأتِ على الدم اليمني من قريب أو بعيد، بل كانت ذاك المخرج الذي يبحث عن كيفية تحصين النظام من أي ملاحقات قضائية.
وما أحزن الثوار في الميادين والساحات المختلفة أنه وبعد تقديم المبادرة الخليجية وحتى أثناء زيارة أمين عام مجلس التعاون الخليجي لليمن، كان النظام يعبث بالدم اليمني ويقمع التظاهرات والاعتصامات السلمية بشتى الطرق.
ألم يكن الأحرى في أي مبادرة تقدم أن تتضمن بنداً واحداً يلزم النظام بإيقاف القتل والاختطاف القسري والتعسفات التي ينتهجها تجاه الاعتصامات والتظاهرات السلمية، كيف يطمئن الشعب اليمني لهكذا مبادرات؟
ونقول لهم: ليس الدم اليمني بهذا الرخص، ليس كل من يسقطون بين قتيل وجريح أرقاماً لتتناقلها وسائل الإعلام، لكنها قدمت وعلى الرغم من إجحافها بحق الثورة الشعبية، ولم تكن إلا حلاً لنظام تنكر لها وكان أول المبادرين بوأدها، لتضاف إلى قائمة تلك المبادرات الموؤدة، التي حرص النظام على اغتيالها الواحدة تلو الأخرى، وهاهم الخليجيون يلوحون بأيديهم المفرغة بعد أن لوح اليمنيون أيديهم من قبل، معبرين عن عجزهم عن حل معضلة حاكم من صنف أولئك الحكام الذين يسحقون شعوبهم في سبيل البقاء على السلطة.
فعظم الله أجركم جميعاً ولا أعلم من أعزي، أعزي هذا الشعب الذي يستحق أكثر من هكذا مبادرة؟، ألا يستحق الاعتراف بثورته ومطالبه؟!
أم أعزي أحزاب اللقاء المشترك والتي بقبولها بالمبادرة الأخيرة، فقدت الكثير من الأنصار والمؤيدين، وهي اليوم تعلم جيداً كم هو حجمها في الشارع، ومن يتحدث عن شق الصف بحديثه عن أحزاب اللقاء المشترك، فلا يفرح كثيراً، لأنه لا يفهم من ذلك إلا قيادات تتحاور مع النظام أما القاعدة الشعبية لهذه الأحزاب، فهي اليوم محسوبة على الشارع، وهي أكثر من يُعبر عن رفضها لهكذا مبادرات.
أم أعزي النظام الذي خسر فرصته الأخيرة، بخروج يحفظ ماء وجهه، أم أعزي هذا الوطن الذي يبدو أنه الخاسر الوحيد وهو من سيدفع الفاتورة الأغلى، إذا ما أصر النظام على خرق السفينة.
بشرى عبدالله
عظم الله أجركم.. 2242