قدمت المبادرة الخليجية فرصة حقيقية وكريمة للنظام للخروج من مأزق السقوط المهين بتوفير فرصة الرحيل المشرف، وعمل قادة الخليج ببراعة في صياغة مبادرتهم بما يضمن تنحي الرئيس صالح من السلطة ويحفظ للمنصب هيبته وللرجل كرامته، بتعبير الراشد ـ مدير قناة العربية، ولكن هذه الفرصة الذهبية لم تلق أذناً صاغية، بل قابل النظام الإحسان الذي تقدم به قادة الخليج، بالإساءة بالرفض واختلاق الأعذار والمبررات والتملص من الالتزامات، وهو ما ينم عن عدم إدراك النظام بالمكانة العالمية المرموقة للخليج وقيادة الخليج.
فالاتحاد الأوربي والولايات المتحدة والأمم المتحدة تنتظر موقف الخليج من الثورة اليمنية لكي يتبنوه ويبنوا عليه مواقفهم؛ لأن العالم يدرك من هم قادة الخليج، ويعلم العالم كله بإمكانيات الخليج ومكانته في السياسة العالمية باعتبار الخليج لاعباً أساسياً في كل ما يخص القضايا المهمة في العالم، أما الشأن الإقليمي والشرق أوسطي فإن الخليج يمثل الجملة السياسية الصحيحة التي تبدأ بها كل كتب السياسة في العالم بأسره، وهي الكلمة الأولى في صفحة الاقتصاد والطاقة، وهم مثل الشمس ترى من كل مكان في العالم، فمن يتجاهل الخليج يضر نفسه، أكثر مما يتصور، لأن لهم مكانتهم التي تفرض احترامها على العالم كله، وفي مقدمتهم دول العالم العظمى بما فيها أمريكا وأوربا، فالخليج نبض الطاقة في العالم بأجمعه.
لقد تأكدت هذه المعاني الكبيرة في واقع السياسة العالمية بالاهتمام الملحوظ بالرأي الخليجي والموقف الخليجي وخاصة المملكة العربية السعودية في كل المحافل الدولية، وهو ما يعطي التعاطي مع المبادرة الخليجية طبيعة خاصة، يضاف إلى ذلك أنها في الشأن اليمني تدل على بعد أخوي، يمثل اهتمام الشقيق بشقيقه وهو ما عبر عنه أستاذ السياسة الدكتور/ منصور الزنداني بأن مبادرة الخليج ليست تدخلاً في الشؤون اليمنية في حين ادعى النظام أن مبادرة الخليج 3_4 تدخلاً في الشأن اليمني وقال إنها مرفوضة.. مرفوضة.. مرفوضة حتى انقطاع النفس.
إن إدراك المعارضة ممثلة باللقاء المشترك بقيمة الخليج وبأهمية دوره من جهة وبمعرفتها بنفسية الرئيس وتقلب مزاجه ومواقفه المتقلبة قد شجع المشترك على المغامرة بتاريخه السياسي بل وصل حد المغامرة باتفاقه مع قواعده ـ وقد كتبت مقالا عن ذلك في "أخبار اليوم" قبل عدة أيام ـ ثم جاء رفض الرئيس ليؤكد أن اللقاء المشترك قد جعل الرئيس في ركن الحلبة من جهة، ومن جهة أخرى فقد جعله يقف أمام القطار، فمن يقف أمام القطار واهم بالنجاة والسلامة فالقطار لن يفوته بل سيمر عليه، لأن عقارب الساعة لا ترجع للوراء، ولن يغامر أحد بعلاقته مع اليمن وشعبه لأجل عيون شخص، فاليمن يبقى والأشخاص يزولون.
إن صنيع المعارضة بالنظام يذكرني بالقصة التالية:كان مع خالي حمار، يرفض الدخول إلى الاسطبل، ويتراجع نحو الخارج، كلما سحبوه للدخول، فقال لهم خالي: اجعلوا دبره نحو باب الاسطبل واسحبوه، فكانوا يسحبونه وهو يتراجع حتى يدخل الاسطبل ويغلقوا عليه الباب، وهذا بالضبط ما فعلته المعارضة مع النظام .
د. محمد عبدالله الحاوري
المبادرة الخليجية بين النظام والمعارضة 2327